مقالات
واشنطن تُهدد بقطع الجسر الأخير: هل تتحمّل خسارة بري ؟
المصدر : خاص “الملفات” – الكاتب والمحلل السياسي محمد علوش

في خضم التعقيد السياسي اللبناني والانهيار الاقتصادي المتسارع، يعود اسم رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الواجهة، ليس كعرّاب للتسويات فحسب، بل كهدف محتمل لعقوبات أميركية، بحسب ما نقل عن مسؤولين سابقين في وزارة الخزانة الأميركية، من أبرزهم جون إي. سميث. فهل من مصلحة الولايات المتحدة فرض عقوبات على “عميد البرلمان اللبناني”، وهل تملك واشنطن بديلاً شيعياً لمحاورته؟
في مقال نشره جون إي. سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عبر منصة American Thinker المعروفة بقربها من إدارة الرئيس دونالد ترامب، أطلق تحذيرًا لافتًا بشأن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، كاشفاً نقلاً عن مصدر حكومي أميركي، أن إدارة ترامب تدرس فرض عقوبات مستهدفة على نبيه بري، أفراد عائلته، وأقرب مساعديه، بسبب تحالفه الاستراتيجي مع “حزب الله”، والذي تراه واشنطن “عائقًا خطيرًا أمام تعافي لبنان”. لكن هل من مصلحة واشنطن فعلاً الذهاب في هذا الخيار؟ وماذا ستكون تداعيات خطوة كهذه؟
نبيه بري بين الشراكة الضرورية والخطر السياسي
لطالما حاولت واشنطن التمييز بين بري و”حزب الله”، معتبرة أن الأول يشكّل قناة تواصل محتملة ضمن الطائفة الشيعية، لكن مع مرور الوقت وتفاقم الأزمة اللبنانية، بدأت الأصوات داخل الإدارة الأميركية، خصوصًا تلك المحسوبة على اليمين الجمهوري، تُطالب بكسر هذا “الاستثناء”، على اعتبار أن تحالفه العميق مع الحزب لم يعد قابلاً للفصل في نظر البعض داخل الدوائر الأميركية.
تصريحات جون سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، لم تأتِ من فراغ، بل تعكس توجهاً متصاعداً داخل بعض أوساط صنع القرار في واشنطن لإعادة تقييم العلاقة مع الطبقة السياسية الشيعية، خصوصاً بعد أن وضعت الإدارة الأميركية شرطاً على لبنان يتعلق بتقليص نفوذ الثنائي الوطني الشيعي، وهؤلاء يعتبرون أن العقوبات على بري ستشكل ضربة قاسية للثنائي الشيعي، وتفتح الباب امام شخصيات أخرى لكي تبرز وتحاول أن تلعب دورها، كما أنها تساهم بتعزيز المساءلة الدولية، وتقطع فكرة “الحصانة الدائمة” للطبقة السياسية.
هل تستطيع واشنطن فرض عقوبات على بري؟
من الناحية التقنية، تملك الإدارة الأميركية الأدوات القانونية لفرض عقوبات على أي شخصية أجنبية يثبت تورطها في الفساد، تقويض الديمقراطية، أو دعم الإرهاب، بموجب “قانون ماغنيتسكي العالمي”، أو قوانين مكافحة الإرهاب، وبالتالي اعتادت أميركا على استخدام سيف العقوبات لتحقيق مكاسب سياسية، بغض النظر عن التهم التي عادة ما تكون معلّبة بحسب المصلحة الأميركية، إلا أن القرار لا يكون قانونياً فقط، بل سياسياً أيضاً، ويتطلب حسابات دقيقة لتوازنات داخلية وخارجية. فبري، رغم كل الانتقادات، لا يزال يُنظر إليه كشريك يمكن التفاوض معه في ملفات حساسة، من ترسيم الحدود البحرية، إلى الاتفاقات المالية، إلى ضمان الاستقرار الأمني، وباعتقاد فريق داخل الإدارة الأميركية فإن للرجل دور أساسي في المرحلة التي يمر بها لبنان.
بحال اتجهت الإدارة الأميركية لفرض عقوبات على رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فإنه بموجب العقوبات، أي تواصل رسمي بين مسؤولين أميركيين وشخص مدرج على لوائح OFAC يصبح مقيّداً بشكل كبير. يتطلب هذا التواصل استثناءات خاصة من وزارة الخزانة الأميركية، غالباً ما تكون محصورة بأغراض إنسانية أو دبلوماسية عاجلة. بمعنى آخر، العقوبات تقيّد مساحة الحوار وتُصعّب انخراط الأميركيين في مفاوضات أو مباحثات رسمية مع الطرف الشيعي الأكثر حضوراً، لا على نطاق لبنان وحسب بل المنطقة كلها.
وإذا ما أقفلت أبواب التواصل مع نبيه بري، تكون واشنطن في مأزق. فهي تعادي “حزب الله” وترفض أي تطبيع معه، ومع فرض عقوبات محتملة على بري، يتقلّص الهامش السياسي داخل الطائفة الشيعية، علماً ان الإدارة الأميركية تعلم حجم الدور الذي يلعبه بري في كل الملفات الحساسة، وبمعنى آخر فإن بري حاجة للأميركيين على المستوى السياسي، والتجارب السابقة تؤكد ذلك، خصوصاً أن الأميركيين لم يتمكنوا من إيجاد شخصيات شيعية وازنة خارج إطار الثنائي، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الشعبي واي شخصية اخرى فهي لا وزن لها ولا قدرة لها على التأثير.
بحسب مراقبين فإن فرض العقوبات على رئيس المجلس النيابي سيكون له سلبيات كبيرة تتمّل بفراغ في التمثيل الشيعي المعتدل، وستؤدي إلى فقدان أميركا قناة التواصل شبه الوحيدة مع الطائفة الشيعية، كما ستُعتبر هذه الخطوة بمثابة تصعيد سياسي داخلي، تؤكد نظرية الاستهداف الطائفي.
بالخلاصة يرى المراقبون أن فرض العقوبات على نبيه بري قد يفتح باب المجهول داخل التوازنات الطائفية الهشة. فهل تمتلك واشنطن استراتيجية بديلة لما بعد العقوبات؟ أم أنها ستكرر سياسة “الضغط الأقصى” التي جرّبتها مراراً دون نتائج ملموسة؟