مقالات

رسالة من طلاب مدرسة الفاخورة ومدرسة تل الزعتر

الهام فرج

إنها المدرسة التي نأتي إليها كل صباح كي نلتقي الرفاق، إنها الفُسحة التي كنا نستيقظ باكراً كي نلهو في فنائها قبل أن ندخل إلى صفوفها، إنها المكان الذي كانت تتسع لنا مساحته على الرغم من اكتظاظنا، حيث كنا ننتظر أن نكبر بين جدرانها الممتلئة برسوماتنا وخربشاتنا، والتي كان من المفترض أن تتردّد على مر السنين أصداء ضحكاتنا الطفولية بين أرجائها، وأن يتّسع لها هذا العالم بفوضاه وكذبه وبمعاييره المُلتبسة، وبقوانين حقوق إنسانه المُزدوجة…
معلمتي الحبيبة، إمسحي الدموع عن عينيكِ المتعبتين، ولا ترهقي وجهكِ الجميل بالحزن والأسى، فلم يعد من المهم أن تُجهدي نفسكِ في تحضير الإمتحان لنا، ها نحن قد نجحنا فيه وارتقينا منه إلى العُلا دون جهدٍ منا، لقد تحوّلت مدرستنا إلى ملجأ يكتظُّ بنا وبأهلنا، وباتت الصفوف غرف نومنا، وقد افترشنا أرضها الموسومة بدعساتنا، والتحفنا طاولاتها المتهاوية دون كتبنا علينا، والتي ما لبثت أن انهارت سقوفها على أجسادنا، وأما ملاعبها فقد افترشناها مقابر جماعية لمن تبقّى منا…
ولطفاً معلمتي لا تدوّني أسماءنا في سجل الغياب لأنه لن يتّسع لها فالكل غائب بعد اليوم، ونعتذر منكِ إذ أننا لن نقف في طوابير الصباح فقد ذهبنا في رحلةٍ غوغاء، علماً أننا كنا ننتظر الفرصة كي نذهب في رحلة ترفيهية إلى حديقة الحيوانات التي شُبّهنا بها ولكن لم يتم الرفق بنا أسوةً بها!…
أما تلك المناهج التي كنتم تعملون على تطويرها فلم يعد من لزوم لها، فقد نفضت نفسها ولفظت كل كذب وتزييف قوانينكم المتأنسنة، والتي عليكم أن تضمِّنوها من بعدنا كيف أن مغتصب أرضنا وهوائنا يعطي نفسه الحق في هلاكنا…
لم يعد هناك من ضرورة لتبنوا لنا مدارس جديدة وعصرية، بل عليكم أن تحوّلوها إلى مقابر جماعية لنا ولأهلنا ولألعابنا الصغيرة كي لا نفترق في الموت كما كنا في الحياة.
لا تتعبوا أنفسكم في كتابة قصائد الرثاء، أو باختلاق أي تبرير أو بأي إحساس بالذنب بعد هذه الإبادة الجماعية. ولا تمزّقوا رسوماتنا ولا ترموها أرضاً إعلاناً للنصر الوهمي أمام طفولتنا الضعيفة، ولا تحاولوا أن تمحوا كتاباتنا عن اللوح الجداري، ولكن… أتركوا لنا بعضاَ من الطبشور ورزمة أقلام ملوّنة، كي نخطّ لكم التاريخ وبعض خطوطه التي تلوّنت بدمنا البريء من انتقامكم، من خطاياكم، من ذنوبكم ومن نكرانكم، فانتظروننا…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى