“المعركة على الملكية: هل ينتصر الدستور أم العُرف؟”

.


عاد الضجيج إلى الشارع بعد صدور القانون رقم واحد تاريخ3-4-2020 الذي يفترض به أن يحرر الإيجارات القديمة غير السكنية بالتدريج وفق برنامج من اربع سنوات والذي رفضه المستاجرون معتبرين أنه يمس بما سموه قدسية ملكيتهم التجارية. مما أثار حفيظة المالكين الذين يعتبرون أن أملاكهم باتت بحكم المحتلة منذ انتهاء صلاحية التمديد في حزيران 2000 وبعد خمس سنوات من الانهيار الاقتصادي الذي تم استدراكه من قبل الدولة عبر تصحيح كل الاجور والاسعار وعلى عدة مراحل بما فيها الرسوم والضرائب فيما تم الابقاء على بدلات الايجار القديمة على حالها مثبتة بالليرة اللبنانية المنهارة فاستفاد
المستاجر القديم من هذا الدعم الغير مشروع على حساب المالك القديم .مما حدا ببعض المالكين القدامى للسعي باجتهاد على
خطى تحرير مآجيرهم عبر اللجوء للقضاء الذي سطر احكام مبرمة وفقاّ للاصول العامة المنصوص عليها في قانون
الموجبات والعقود ، مما كرس واقعًا قانونيًا جديدًا قائمًا على حرية التعاقد، وذلك قبل نشر القانون رقم ١ الجديد تاريخ3/4/2020
تقدم المستاجرون في 11/4/2020 بمراجعة طعن بدستورية القانون رقم١ لدى المجلس الدستوري والجميع بانتظار صدور القرار الأولي علماً أن مهلة الشهر إلزامية للمجلس الذي إن لم يصدر قراره النهائي خلالها، يسقط الطعن وتسقط معه ورقة التين التي تخبىء المستور .
المالكون يعتبرون القانون دستوري ولا يتوقعون سوى رد الطعن بينما يعتبر المستاجرون القانون غير دستوري ويتوقعون أن يتم رده للمجلس النيابي للتعديل أو حتى تذهب مخيلة البعض إلى احتمال نسفه بالكامل ووقف تنفيذه .
ولكن ماذا لو تم فعلًا وقف تنفيذ القانون؟ جميع المالكين القدامى سيتوجهون عندها إلى الموجبات والعقود لتحرير كافة المٱجير التي يصبح من جديد شاغلوها بمثابة محتلين رسميين.
أن تمت المقارنة مع القانون السكني الذي تم الطعن به منذ أكثر من عشر سنوات نستنتج أن المجلس الدستوري لن يوقف
تنفيذ القانون ولن يرده بالكامل انما قد يطلب تعديل بعض المواد بحال وجد أنها غير دستورية أو بالا صح لم تعد دستورية
بعد الظروف التي ألمت بالبلد .فهذا القانون كان يفترض به أن يقر قبل الأزمة وقبل الانهيار الاقتصادي وهو لا يأخذ بعين الاعتبار أمرين مهمين للغاية وهما اولًا انهيار العملة التي لا زال المستأجر غير السكني يتمسك بايفاء التزامه بها تجاه المالك ببدلات ايجار زهيدة جداً مقارنة بالقيمة الحقيقية للانتفاع خاصة وأن هذا المستأجر قد حول اسعار خدماته وسلعه إلى الدولار منذ اللحظة الأولى للانهيار واستفاد من فرق العملة لمصلحته ، مما يشكل إثراء بلا سبب متراكم لاكثر من خمس سنوات على حساب المالك , ومخالفة واضحة لمبدأ العدالة العقدية ولمبدأ المساواة بين المستاجرين فيما بينهم وللمالكين فيما بينهم.
وثانياً بسبب الحقوق المكتسبة للمالكين القدامى التي كرسها القضاء حين أصدر أحكامًا مبرمة بتحرير مٱجير بناءً لقانون
الموجبات والعقود طوال الفترة الزمنية الممتدة بين انتهاء مهلة التمديد القانوني وحتى نشر القانون الجديد، والتي بلغت ما
يقارب الثلاث سنوات.
فهل يحق للمشرع ان يعيد تقييد العقود بعد ان تحررت على مدى ثلاث سنوات من التمديد الالزامي ؟
المادة ١٢ من الدستور اللبناني تنص على أن “الملكية مصانة، فلا يجوز نزعها أو تقييدها إلا للمنفعة العامة، ومقابل تعويض
عادل وكامل” والمعلوم إن العقود التي تحررت بعد حزيران ٠٢٠٠ أرست واقعاً لم يعد من الممكن الارتداد عليه ألا وهو انتهاء التمديد الالزامي، وأي تقييد لاحق لعقود الايجار دون التعويض على المالكين تعويضًا كاملًا يشكل مسًّا بحق الملكية الخاصة وبحق مكتسب، إذ أن مبدا استقرار الحقوق المكتسبة مكرس اجتهاديا وقضائيا ويعتبر من ركائز القانون.
وعليه فان اي تمديد جديد للسنوات العقدية يجب ان يقابل بالحقوق الكاملة منذ السنة الاولى وليس
%25ولا%50بل%100منذ السنة الاولى والا يعتبر ذلك تجريد للمالك من ملكه تعسفا )قرار المجلس الدستوري 2000/4 تاريخ 2000/6/24 (
وهنا يجدر التمييز بين هذه الحقوق المكتسبة للمالكين والتي اكتسبوها اثر الفراغ التشريعي الذي ادى الى العودة للقانون الاساس والتحرر من القوانين الاستثنائية، وبين ما يسميه المستاجرون القدامى حقوق مكتسبة خلال القوانين الاستثنائية والتي ايضا اتى على ذكرها المجلس الدستوري بقراره حين اكد ان القوانين الاستثنائية لا يترتب في ظلها اية حقوق مكتسبة للجهة المستفيدة منها .
وتبقى العثرة الاكبر في درب حماة الدستور مسالة الخلو التجاري التي يحاول المستاجرون جعلها ملحقة بحق الملكية بينما يتبرأ المالكون منها كونها مرتبطة بقانون التجارة ولا تدخل في بنود قانون الايجار الا من زاوية تنازل المستاجر الاول للثاني
عن عقد التمديد مقابل دوبلة بدل الايجار للمالك الذي يورث حصراً الملكية لمن ترد اسماءهم على طلب حصر الارث.
يدفع ورثة المالك ثروة باهظة للدولة كرسم نقل ملكية، بينما يطالب المستاجرون بالاستمرار بتوارث املاك غيرهم بالمجان ويتذرعون بخلو دفعوه منذ خمسين عام، وبالدولار، بينما هم رفضوا منذ خمس سنوات الاستمرار بالدفع بالدولار للمالك القديم وتمسكوا بالايفاء بالليرة القديمة وهي القشة التي قصمت ضهر البعير .
الظلم من وجهة نظر المستاجرين هو ان يتم حرمانهم مما اعتادوا عليه لعقود وهم يحملون الدولة مسؤولية التقصير وخاصة خلال السنوات الاخيرة بينما الظلم من وجهة نظر المالكين هو ان يتم حرمان عدة اجيال من حقوقها كلها بينما هم ملزمون بكافة واجبات المالك من ضرائب ورسوم انتقال ومسؤولية انهيار الابنية مما تسبب في كوارث وادى الى افقارهم فيما المستاجر يورث ابنه عقد الايجار بالمجان ويجني عبره الثروات.
قد يكون الظلم وجهة نظر وقد تكون التربية وجهة نظر ولكن هل احترام الدستور وجهة نظر وهل الاحتلال وجهة نظر؟