مقالات

مجموعات التنسيق الإعلامي في الحرب: أمان الصحافيين والجمهور

نور الهاشم

تَطلّبَ التثبّت من مزاعم حول غارة اسرائيلية استهدفت منزلاً في اقليم التفاح بجنوب لبنان، خلال الحرب الموسعة على لبنان في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نحو عشر دقائق. تحقق سبعة صحافيين يتواجدون في مجموعة “التنسيق الاعلامي” في “واتسآب”، من ادعاءات حول سقوط ضحايا، إستناداً إلى مصادر أمنية رسمية، ومصادر ميدانية، ومشاهدات عينية، قبل أن تفضي المهمة الى أن الغارة لم تسفر عن سقوط أي ضحية.

هذا المسار من العمل، تكرر مرات عديدة يومياً في المجموعة التي ضمت أكثر من 480 صحافياً خلال الحرب الأخيرة، ووفّرت أماناً للصحافيين، يشمل تفادي “التضليل”، وإحاطة بجوانب الخبر، ودعماً متبادلاً من ضمن الجسم الصحافي الواحد، شأنها شأن مجموعات اخبارية مفتوحة أخرى، أتاحت النقاش والتثبّت، وباتت فضاءً مفتوحاً للصحافيين، لمكافحة التضليل واضطراب المعلومات، والتأسيس لبناء رواية دقيقة تراعي المسؤولية الاعلامية في مخاطبة الجمهور.
واكتسبت تلك المجموعات قوتها من تنوّع الصحافيين، وتنوّع مصادرهم، في وقت كانت الرواية الرسمية شبه غائبة، واقتصرت، في الغالب، على إفادات “الوكالة الوطنية للإعلام”، وبيانات بعدد الضحايا خارج منطقة النزاع الصادرة عن وزارة الصحة العامة. استطاعت تلك المجموعات وصل مراسلي المناطق والصحافيين الميدانيين، والمراسلين العاملين في منصات محلية، بمراسلي الوكالات العالمية والصحافيين الأجانب، فضلاً عن وجود ممثلين لقوى سياسية، بينها “حزب الله” الذي كان معنياً بشكل أساسي بالحرب، ضمن المجموعات، لتأكيد رواية أو نفي أخرى. وعليه، وصلت القصة الصحافية الى وسائل الاعلام متعددة المصادر، ونظيفة من الكثير من الشكوك والتضليل.

مبادرة فردية

ومجموعة “التنسيق الاعلامي” التي أسسها الصحافي والمراسل في الجنوب محمد زناتي، بدأت قبل الحرب بأكثر من عام. خلال الانتخابات النيابية 2022، أطلقها كمبادرة فردية للتنسيق بين الصحافيين في مدينة صيدا ومحيطها، وتطورت في أزمة الاشتباكات في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في آب/أغسطس 2023، و”ساهمت بشكل كبير بتأمين تغطية أولية لكافة الاحداث داخل المخيم”، كما يقول زناتي. ولاحقاً مع انخراط “حزب الله” في معركة إسناد غزة، ودخول جنوب لبنان الى الحرب، “انضم الكثير من الصحافيين الى هذه المجموعة”. 
ويشير زناتي الى أن أعضاء المجموعة الـ480 اليوم، هم من الاعلاميين العاملين في الوكالات الأجنبية والقنوات الاجنبية والعربية والمحلية، إضافة الى المصورين الـ”فريلانسرز”، وممثلي المواقع الإلكترونية المحلية الذين يعملون بطريقة “صحافة المواطن” .
ولا تعرف المجموعة وقتاً معيناً للعمل خلال الحرب. على مدار الساعات الـ24، تدفقت الأخبار والتساؤلات ضمن تواصل مفتوح لمتابعة سائر التطورات الميدانية، وباتت مرجعاً للتدقيق في المعلومات. ويقول زناتي: “كمّ المعلومات المغلوطة، خلال الحرب، وضعنا أمام مسؤوليات كبيرة، منها مكافحة الزيف والتضليل، ودحض التأثير النفسي الذي تعمل عليه السردية الاسرائيلية”، لافتاً الى ان هذه المجموعة “شكلت وسيلة للتشبيك بين الصحافيين على مختلف تنوعاتهم، إذ جمعت العاملين في قنوات إخبارية متنافسة، ووفرت الوصول الى قوائم اتصالات”، مشدداً على ان “الدعم المتبادل في هذه الظروف يُسجل نقطة إيجابية لصالح الإعلاميين “.

بديل عن تقصير رسمي

والحال إن مشاركة المعلومات والتحقق بها من مصدرها، يعد أحد أبرز عوامل النجاح لمجموعات التنسيق، في ظل الهوة الشاسعة في الامكانيات الإعلامية بين إسرائيل ولبنان. ففي تل أبيب، “هناك إدارة للملف الإعلامي وتطور كبير بحيث كان هناك تحديث لآخر التطورات الميدانية، اما في لبنان فتكشّف غياب واضح للإدارة الميدانية الإعلامية، فلم يصدر اي بيان او تحديث أو خبر عن مصدر رسمي لبناني بشأن المجريات الميدانية، حتى الوكالة الوطنية للإعلام لم تكن على قدر أهمية الحدث”، حسبما يرى زناتي. وعليه، “دفعنا هذا الضياع من الجانب اللبناني، للقيام بمجهود فردي في محاولة لتشكيل مصدر اولي غير رسمي للخبر، يستطيع الزملاء من خلاله متابعة الأحداث ومقاطعة المعلومات مع مصادر ثانية لتكوين الصورة الكاملة للخبر”.
إغاثة الصحافيين أنفسهم
لكن الجزء الأهم في المجموعات عبر “واتسآب” أو “تلغرام”، لم يتمثل في حصرية الدور الذي لعبه على صعيد توفير المعلومات والتحقق منها. فما قدمته مجموعات “تجمع نقابة الصحافة البديلة”، بدا أكثر تطوراً لناحية تقديم الدعم للصحافيين أنفسهم. وتشير منسقة الطوارئ في التجمع خلال الحرب سندريلا عازار، الى أن التجمع “وضع خطة استجابة للطوارئ، وكان يلبي طلبات الصحافيين على مدار الساعة”، لناحية “تغطية الاعتداءات وتلبية طلبات صحافيين يحتاجون الى أدوات ومعدات يستخدمونها”. 

تم تقسيم النشاط على مجموعتين اساسيتين، أولهما مجموعة الصحافيين، والثانية هي “النيوزروم” التي تعد مجموعة مفتوحة لتبادل المعلومات والتدقيق فيها، وازداد نشاطها التحققي مع وجود أعضاء من منصة “صواب” المتخصصة، لغربلة المعلومات الكاذبة والمضللة من الصحيحة.

إضافة الى ذلك، تشير عازار الى أنه “تم استحداث قسم مخصص للتوجيه نحو مواضيع متخصصة متل الفئات المهمشة بالحرب، والصحة النفسية وأهميتها للصحافيين الذين يغطون في الميدان، وأولئك الذين يتعرضون لاعتداءات”، الى جانب تلبية مطالب الصحافيين والتأكد من أمنهم، لجهة تواصل منسقة التجمع بشكل مباشر مع الوزارات والادارات الرسمية “وتوفير الامان الى أقصى حد ممكن للصحافيين والصحافيات خلال الحرب”. وتذكر هنا بعض الخدمات، مثل تلبية احتياجات الصحافيين وتوفير بدلات التنقل وتوزيع الخوذ والدروع، وتوفير معدات لصحافيين “صحافة الموبايل” مثل “الرواتر” و”الانترنت” و”ودفع كلفة الاتصالات” وتجهيز معدات الطاقة مثل “الباور بانك” وغيرها، وذلك “في محاولة لتأمين كل هذا الدعم تحت القصف وفي ظل ضغط الحرب”. 

مأسسة العمل خلال الحرب
وإذا كانت مجموعة “التنسيق الاعلامي” انطلقت كمبادرة فردية، وبقيت كذلك، فإن مأسسة المجموعات، ساهمت في توسعة مروحة الخدمات، وعززت مستوى الامان لدى الصحافيين. فالدور الذي لعبته مجموعات “تجمع نقابة الصحافة البديلة”، يعكس هذا التوجه الاجتماعي والانساني. والى جانب تواصل الفريق والصحافيين مع النازحين الذين تركوا منازلهم في الاسبوع الاول من الحرب، ساعد في سياق آخر، على تأمين المسكن للصحافيين ووفر بدلات الايجارات بالتعاون مع “مؤسسة سمير قصير” (سكايز). 
وتقول عازار: “هذا ما يختلف فيه التجمع عن تجمعات أخرى. نحن هنا لأجل الصحافيين، وكانت المنسقة إلسي مفرج تتأكد من تلبية احتياجات الصحافيين، كما زارتهم بغرض الاطمئنان”. 

وبمجرد انتهاء الحرب، وضع التجمع منصات للصحافيين ليرووا قصصهم وتجاربهم. وتشرح عازار: “في البودكاست الذي كنت أنا المنتجة المنفذة له، وكان الزميل محمد قليط المنتج التقني، أنجزنا أربع حلقات سلطنا فيها الضوء على قصص الصحافيين والفريلانس، والصحافيات الامهات، كما أضأنا على الصحة النفسية للصحافيين، وكيفية موازنتها مع المهام بالتغطية”. 

وتتوقف عند “أمر اساسي” يميز التجمع عن جمعيات أخرى، يتمثل في “تعزيز الجانب الانساني” لجهة “أنسنة العلاقة مع الصحافيين، وعدم التعامل معهم كآلات”. 
وانعكس هذا الاتجاه، حسب عازار، على العاملين شخصياً. وتقول: “خلال الحرب كنت منسقة طوارئ. عملي بالتجمع أوقفني على قدمي، وشعرت بأنني فاعلة، ومنتجة، وأعمل مع زملائي الذين كانوا بحاجة لي”، فضلاً عن أن التواصل بين الفريق “كان فاعلاً”، و”متن العلاقات الانسانية”. 
تقييم التجربة
لا تنتقص هذه الفوارق في الآليات والادوار بين المجموعات الفردية والمجموعات الممأسسة، من أهمية كل واحدة منهما. ويقول زناتي إن تجربة مجموعة التنسيق الإعلامي “تُعدّ ناجحة نظراً لغياب الاطر الرسمية التي تجمع الصحافيين، فكانت بديلاً نشطاً في خلق بيئة آمنة للصحافيين”، وأمل ان ترعى الدولة عبر وزارة الاعلام “كافة مجموعات الصحافيين وان تقوم عبر اجهزتها بدورها ولا سيما في الأزمات”. ويضيف: “مهما حاولنا من سد الفجوة، تبقى الامكانيات الفردية غير قادرة على الإحاطة بكافة الجوانب وتلبية احتياجات الصحافيين”.

في المقابل، تصف عازار عمل التجمع بالـ”ناجح”، مضيفة: “كنا فاعلين لأننا نتحدر من خلفية تطوع، وإيمان بالقضية ودعم الصحافيين”. ورغم الإقرار بأن التجربة شابتها “فوضى محدودة، لأننا للمرة الأولى كنا نقوم باستجابة لخطة طوارئ خلال حرب واسعة وهجمية الى هذا الحد”، تشير الى “اننا بعد الحرب، أخضعنا كل التجربة لتقييم، وعملنا على تحسين العمليات والشغل”، مضيفة أن “جهوزيتنا عالية الآن للتعامل مع اي أزمة مشابهة نتمنى ألا تقع”، مؤكدة أن “ثقة المانحين بنا عالية لأننا أثبتنا التزاماً طوال الفترة بالوقت والمهام”.

(*) تم إعداد هذا التقرير ضمن مشروع “إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان”. موّل الاتحاد الأوروبي هذا التقرير . وتقع المسؤولية عن محتواه حصراً على عاتق “مؤسسة مهارات”، وهو لا يعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى