
أن يتحدث بنيامين نتانياهو عن “بوادر حسن نيّة” تجاه لبنان فهذا يعني أن الرجل يُخفي شيئاً، ففي عقل المجرم لا يوجد نوايا حسنة، وما كلامه عن “التفاوض لترسيم الحدود” مع لبنان سوى إشارة إلى أن ما يُريده رئيس حكومة العدو ترسيماً جديداً للحدود مبنياً على الوقائع الجديدة التي يسيطر عليها الإحتلال للأراضي اللبنانية، بينما ما يُريده لبنان هو تثبيت الحدود المرسّمة وفق القانون الدولي.

هناك فارق كبير بين ترسيم الحدود وتثبيتها، فالترسيم يعني أن العدو الإسرائيلي يُريد الإنطلاق من الخط الأزرق الذي قد يؤدّي بنهاية المطاف إلى استحواذه على نقطة رأس الناقورة، بما يُتيح له الحصول على مئات الأمتار الإضافيّة على طول الحدود من القطاع الغربي إلى القطاع الشرقي، فيتمكن من تحقيق هدف بناء المنطقة العازلة وربما اكثر، بينما تثبيت الحدود فهو يؤدّي لحصول لبنان على نقطة رأس الناقورة بالإضافة إلى كامل النقاط التي لا يزال العدو الإسرائيلي يحتلها على طول الخط الحدودي.
بشكل سريع تدخّلت الولايات المتحدة الأميركية في سوريا ولبنان، فكانت الوسيط بالتفاوض بين تركيا وقسد وأوصلت إلى اتفاق مبدئي بين الأكراد والرئيس السوري أحمد الشرع، وفعّلت تدخلها في لبنان فظهرت مورغان أورتاغوس لتتحدث عن “اطلاق مجموعات عمل دبلوماسية ستعمل على حلّ المشكلات بين لبنان وإسرائيل كالخط الأزرق وغيره”، ومن المعلوم أن أحداً لا يقدم شيئاً بشكل مجاني، فكيف إذا كنا نتحدث عن أميركا التي تريد إثبات سطوتها على المنطقة؟!.
في سوريا لا شكّ أن الاتفاقات التي يوقعها الشرع بتدخل أميركي واضح سيكون لها أثمانها السياسية في المرحلة القريبة والبعيدة، ولا شكّ أيضاً أن ما تقوم به الولايات المتّحدة في لبنان تسعى من خلاله للحصول على أثمانٍ سياسية، ومما لا شكّ فيه أيضاً أن كل هذه الأثمان ستكون لصالح المشروع الإسرائيلي الذي يعمّق من احتلاله في سوريا، ويسعى للوصول إلى مناطق الأكراد شمال شرقها، ويعمق من احتلاله في لبنان حيث باتت النقاط الخمس شريطاً حدودياً ومنطقة عازلة، لذلك سيكون التحدّي أمام لبنان الرسمي كبيراً، فهل يكون الثمن المرجوّ أميركياً هو التطبيع أو السلام؟.
قد تختلف الأثمان التي تُريدها أميركا في سوريا عمّا في لبنان ببعض التفاصيل، لكنها بالشكل العام لن تختلف وتصبّ كلها في مصلحة المشروع الإسرائيلي، ففي لبنان تمكنت واشنطن من الحصول على موافقة للتفاوض مقابل تحرير عدد من الأسرى وهذا ما قاله نزار زكا، وهذه الموافقة لها أهميتها لأنّها تأتي بظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، وهذا سيكون له انعكاسه على مسار التفاوض، مع الإشارة إلى أنّ الأهداف ستكون واضحة وهي قضم أراضٍ إضافية، وأهداف مرتبطة بالسلاح، وموقع لبنان بالصراع مع إسرائيل، ومحاولة تطبيق ما قاله مستشار الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب مسعد بولس بأن “السلام هو المتوقع المشترك بين شعبي لبنان وإسرائيل، وأنه مع العون الإلهي يتطلعون إلى تحقيقه قريبا”.
عندما فاوض لبنان على حدوده البحرية كان موقفه أقوى بكثير مما هو عليه اليوم، ويومها نتذكر كيف فعلت المسيّرات فوق البحر فعلها أيضاً، لكن التفاوض هذه المرة سيكون مختلفاً، فالواقع في المنطقة، والذي بدأت إسرائيل من خلاله تعمل على تنفيذ “مشروع إسرائيل الكبرى”، سيكون حاضراً خلال أيّ تفاوض.