مقالات

لماذا لم يثر الشعب اللبناني حتى الآن؟

سالي مزيحم / خاص جنوب٣٦٠

شعب إيه اللي بتراهنوا على وعيه ؟ الشعب ده لو كان عنده وعي مكنش زمانكم بتحكموه !

مقولة اختصرت واقع الشعب اللبناني الخاضع لاحتلال الطبقة السياسية الفاسدة، التي نهشت لحم المواطنين وتظاهرت بالبراءة مطبقة المثل الشعبي الذي يقول “بيقتل القتيل و بيمشي بجنازته”…

  ولكن هل السياسيون وحدهم المسؤولون؟ تتوجه أصابع الاتهام دائمًا نحو هذه الطبقة و مكوناتها ، متناسيين دور المواطن في المجتمع على كافة الأصعدة. وهنا سنذكر ابرز الأدوار التي قام بها الشعب خلال هذه الازمات الحالية :

– بدايةً من احتكار التجار لأسعار المواد الغذائية، مستغلين هبوط وارتفاع الدولار و ذلك لتحقيق أرباح على أكتاف الفقراء …

– بعض الصيدليات في ظلّ التفلت الحاصل قامت بتخزين الأدوية و اخفائها عن المواطنين بدون ادنى حس بالمسؤولية و غياب الضمير غير آبهين للخطر الناجم عن هذا الأمر …

– ومن جهة ثانية ما زال المواطن لليوم يعيش تحت رحمة أصحاب المولدات الخاصة ( خصوصًا في الضاحية الجنوبية ) غير الملتزمين بالتسعيرة الرسمية للكيلوواط الصادرة عن وزارة الطاقة ، و هذا التلاعب ليس إلا دلالةً على اهتراء مؤسسات الدولة و قيام دويلات داخل الدولة ، كلٌ يغني على ليلاه…..

“الشعب بحق حاله مش منيح بدو يكون منيح بحق غيره”

فالشعب الذي يأكل بعضه بعضًا ،ويسرق بعضه بعضًا ولا يرحم، ويحتكر الخبز والدواء والمحروقات والغذاء على بعضه البعض لا يحق له أن يلوم حكامه.. بالمختصر مجتمع لا يهمه الجائع إلاّ إذا كان ناخبًا و لا يهمه العاري إلاّ إذا كانت امرأة..

يتسائل البعض لما هذا الخضوع من قبل الشعب اللبناني؟

لماذا لم ينتفض الشعب ؟

 فالبعض يرجح أن السبب في ذلك هو خوف المواطنين من تسييس الشعارات والمطالب ودخول السفارات و الأحزاب ، إضافةً إلى الشعور باليأس … كما أنّ هنالك نسبة لا بأس بها من المواطنين المؤيدين لأحزاب السلطة يتحركون فقط عند إشارة من زعيمهم… هنا نلاحظ الصراع السياسي القائم داخل المجتمع اللبناني الذي يؤدي بدوره الى انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض ، وهذا الامر ليس بالجديد فقد عايشناه خلال ثورة أكتوبر 2019 خصوصًا في بيروت.

لا يستطيع أحد ان يرصد او يشخص سبب صمت المواطن في ظل كل الظروف المحيطة به إلاّ المتخصصون في مجال علم النفس لأنه يدخل تحت عنوان ما يسميه العلماء “بالآليات النفسية الدفاعية “. بدايةً عندما يبلغ المواطن اعلى درجات اليأس فهو “ينسحب اجتماعيًا ” و هذا المثال ينطبق على حالتنا اليوم.

فمن منّا يفكر ان يعترض في وجه من هم سبب الازمة في لبنان ؟ لماذا ثورة 17 تشرين انتهت مفاعيلها سريعًا كأنها حدث عادي ؟ ، لأننا و بكل بساطة و كما هو معروف اصبحناً شعبًا فاقدًا للأمل بالتغيير نؤمن بالغياب التام للدولة وهيمنة الأحزاب التي تقرر مصيرنا… أما من الجهة الأخرى فالبعض يعتبر حدوث ثورة اوتظاهرات في البلاد هي مخطط ومؤامرة لإلغاء طائفته ، هذا الأخير يعرف يلعب على “قلق التشرذم” عند كل فرد “أي الخوف من خسارة طائفته و إضعافها و انّ اعتراضه في الشارع ما هو الاّ خذلان “، و نفسيًا هذا المحرك نسميه “العاطفة الدينية و السياسية “، أما البعض الاخر فقد أصيب بالعدوى النفسية و هي مثل أي عدوى فيروسية تمامًا و لكن اصعب ، حيث اصبح المواطن يسلك كما يسلك غيره إذ انّ ما يعيشه اللبنانيين هو “الغضب السلبي الذي يقتصر فقط على الإحساس من دون أي رد فعل ” فاللبنانيين يعبرون عن غضبهم بالتأقلم بدلًا من التعبير عن هذا الغضب في الشارع.. وعلى مر التاريخ القديم والحديث حصلت احداث لم يكن اللبنانيون يتحضرون لها وتمكنوا من التأقلم معها بسرعة، لذلك على المستوى النفسي “آلية التكيّف (mechanism of adaptation) ” لدى الشعب اللبناني عالية جداً، وهذا للأسف تأقلم سلبي ويزيد رضوخ اللبنانييون للأوضاع التي يمرون فيها» ، كما يعبّر اللبنانيون عن هذا الغضب على المستوى الفردي من خلال مظاهر تزايد حالات العنف الجسدي، والجرائم المرتفعة والتي لم يكن لبنان يشهدها سابقاً بهذه الوتيرة، وهي شكل من أشكال الغضب الذي ينفذه اللبناني على محيطه الصغير كأفراد أسرته والأشخاص الذين يحيطون به … و بعد هذه المقدمات اعتقد انه بات اكثر وضوحًا لماذا نحن الأكثر غضبًا و لكن الأقل تعبيرًا ..

“لستَ مضطرًا ان تنتظر الخبز و تقف في الطوابير امام الافران و المصارف و المحطات … فلو انتبهَ كلُ واحدٍ منا لحقيقة غضبه و كيف يوجهه و على من يصب هذه المشاعر السلبية ، و يتعلم ان لا يسكت عن حقوقه لكانت النتائج التي وصلنا اليها اليوم حتمًا.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى