
في 12 شباط هدّد المتحدث بإسم الجيش الاسرائيلي بالعربية أفيخاي أدرعي في تغريدة على موقع “إكس” مطار رفيق الحريري الدولي في لبنان، متحدثاً عن “قيام فيلق القدس الإيراني وحزب الله على مدار الأسابيع الأخيرة باستغلال المطار من خلال رحلات مدنية وذلك في محاولة لتهريب أموال مخصصة لتسلح حزب الله بهدف تنفيذ اعتداءات ضد “إسرائيل”. اعتُبر ذلك حينها ضغطاً إضافياً على لبنان من أجل القبول بتمديد المهلة التي تنتهي في 18 شباط من أجل إنسحاب جيش العدو من كل الأراضي اللبنانية، ولكن المسألة كانت أبعد.
بقيت التفاصيل التي رافقت هذا الموقف مجهولة حتى انفجرت أزمة المسافرين اللبنانيين في مطار طهران بعد رفض السلطات اللبنانية استقبال طائرة “طهران إير” الإيرانية في مطار بيروت، ما أدى لحصول موجة غضب شعبية أقفلت طرقات المطار وانتقلت إلى شوارع بيروت. فماذا حدث وما هي الخلفيات؟
تهديد بضرب المطار
في 12 شباط تلقّت السلطات اللبنانية من خلال اللجنة المعنية بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار شكوى إسرائيلية تقول بأن الرحلات الإيرانية إلى بيروت تحمل أموالاً لحزب الله. وفي تفاصيل الشكوى بحسب مصادر مطلعة على موقف الحكومة فإن العدو أكد أن رحلة الطائرة الإيرانية التي كان يُفترض أن تحطّ في مطار بيروت أمس كانت محملة بالأموال، مشيرة عبر “المدن” إلى أن الشكوى تضمنت تهديداً بضرب المطار ومنع هبوط الطائرة الإيرانية، وتضمنت أيضاً كلاماً عن أنها ليست الرحلة الأولى التي تنقل أموالاً، وبالتالي يعتبر العدو الإسرائيلي أن من حقه التحرك كون الدولة اللبنانية لا تقوم بواجباتها.
تشدد المصادر على أن التهديد الإسرائيلي كان جدّياً وقد أكّد ذلك أعضاء في اللجنة، لذلك قرر رئيس الحكومة نواف سلام الطلب من وزير الأشغال فايز رسامني التدخل والتواصل مع الإيرانيين لعدم استقبال الطائرة، وهكذا كان. تشدّد المصادر أن الإيرانيين كانوا على علم بالقرار اللبناني وحيثياته، ولذلك لم تُقلع الرحلة من طهران، وبالتالي كان يجب إبلاغ اللبنانيين المسافرين بهذا القرار قبل وصولهم إلى المطار في طهران، علماً أن الحكومة كانت منذ البداية على استعداد لإرسال طائرة تُقل اللبنانيين إلى بلدهم.
لا تتعلق المسألة برحلة واحدة وحسب، إذ تكشف المصادر أن رئيس الحكومة نواف سلام اتخذ قراراً بتعليق الرحلات من إيران إلى لبنان حتى 18 شباط تاريخ انتهاء المهلة، لعدم إعطاء العدو أي ذريعة لاستمراره في الاحتلال أو تعريض المطار للخطر، خصوصاً أن مسألة المطار هي من الذرائع التي قدمها العدو إلى اللجنة في طلبه للتمديد. وتُشير المصادر إلى أن سلام قرر عرض الموضوع على جلسة مجلس الوزراء التي يُفترض أن تُعقد الاثنين المقبل لاتخاذ القرار المناسب داخل الحكومة.
بعد قرار نواف سلام، طُلب من المديرية العامة للطيران المدني إعداد بيان توضيحي لما يجري، ولكن بحسب المصادر فإن المديرية غير معنية بالأسباب السياسية والحقيقية التي دفعت إلى اتخاذ قرار عدم استقبال الطائرة الإيرانية، بل معنية فقط بالتفاصيل اللوجستية للقرار. لذلك تحدث بيانها عن “إجراءات أمنية إضافية ستُتخذ، وهو ما أدى إلى إعادة جدولة توقيت بعض الرحلات الآتية إلى لبنان”.
المزيد من التنازل؟
بالمقابل لم يتعامل جمهور المقاومة في لبنان مع هذه المسألة على أنها محاولة لحماية المطار، بل استسلام أمام الأوامر الإسرائيلية وتنازل إضافي يقدمه لبنان للعدو. فكان التحرك أمام المطار وإقفال الطرق المؤدية إليه. وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة على موقف حزب الله أن الحزب كان من المنظمين للتحرك السلمي أمام المطار، وكانت له مواقف عبّر عنها نوابه، عن رفضه للإذعان أمام العدو، ولكن بنفس الوقت طلب التهدئة والوعيّ والتعقّل إفساحاً في المجال أمام معالجة هذه الأزمة. تؤكد المصادر أن الحزب الذي يُدرك أهمية تحركات الشارع يُدرك في الوقت نفسه خطورة هذه التحركات، وهو ما لمسه أمس من خلال إقفال شوارع داخل مدينة بيروت، لم تكن بقرار منه.
ما حصل في شوارع بيروت كاد يؤدي إلى تصادم مع جمهور تيار المستقبل الذي يحتفل اليوم بالذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو لم يكن بقرار حزبي وهنا مكمن الخطورة. لذلك تحرك الحزب بشكل فاعل ليل امس لاحتواء التحركات وإبقائها في محيط المطار قبل أن ينتهي الإعتصام وتُفتح الطريق مع إرسال طائرة “الميدل إيست” إلى طهران لنقل اللبنانيين. ولكن بحسب ما تقرأ المصادر فإن القرار بمنع الطيران الإيراني يعني تنازلاً لبنانياً جديداً يُقدم للعدو، وهذا التنازل سيجرّ المزيد من التنازلات. وتعتبر أن الحزب يشعر بالقلق من احتمال أن يكون ما يجري مقدمة للتسبب بأزمة دبلوماسية مع إيران بدأت بوادرها من خلال رفض السلطات الإيرانية استقبال الطائرتين اللبنانيتين ما لم يتم تقديم الطلب بشكل رسمي وفق الأصول، وهو ما بدأت السفارة اللبنانية في طهران القيام به ظهر هذا اليوم.
هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟
السؤال الأساسي اليوم هو هل كان بإمكان لبنان تجنّب ما جرى، وعدم المبالاة بالتهديد الإسرائيلي؟ تُجيب المصادر المطلعة على موقف الحكومة بأن السؤال لا يجب أن يكون على هذه الشاكلة، بل هل لبنان، لو لم يتعامل بجدية مع التهديد الإسرائيلي، كان ليتحمل ضرب المطار أو تعريض الطائرة الإيرانية التي تقل لبنانيين للخطر؟ معتبرة أن الظروف الصعبة التي نتجت عن الحرب الإسرائيلية على لبنان تفرض اتخاذ قرارات كهذه، إذ لا يمكن تحميل الدولة ما لا طاقة لها على حمله، ويجب أن يبحث الجميع عن المصلحة اللبنانية وأشكال المواجهة.