أخبار محلية

الخطة “ب”.. مطار القليعات يعود إلى الواجهة

مع تصاعد حدة القصف الإسرائيلي على لبنان، وتسجيل غارات قرب مطار رفيق الحريري الدولي (مطار بيروت)، عاد الحديث عن مطار القليعات الدولي، للتداول على المستوى الرسمي.

فقد أعلن وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، أمين سلام، الخميس، بعد لقائه في واشنطن نائب مساعد وزير التجارة الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، توماس برونز، أنه بحث مع الأخير “الخطوات التي يمكن اتخاذها خلال هذه الفترة.. وتطوير المرافق العامة، لا سيما إمكانية تشغيل مطار القليعات مستقبلاً أمام الرحلات التجارية والسياحية”.

ويطرح منشور سلام عبر صفحته على منصة “إكس”، التساؤلات بشأن الأسباب التي حالت حتى الساعة دون اعتماد هذا المطار، خصوصا في ظل ما يقال عن هيمنة حزب الله على مطار بيروت (وهو المطار الدولي الوحيد في لبنان)، بالإضافة إلى موقع المطار القريب من ما يعرف بالمربع الأمني للحزب، مما يعرضه لأخطار جدية مع اندلاع أي حرب بين الحزب وإسرائيل أو حتى خلال التوترات المحلية.

عقبات سياسية
عديدة هي الأسباب التي تعيق الاستخدام المباشر لمطار القليعات، إذ أنها تتنوع ما بين اللوجيستية والسياسية، على الرغم من أن القرار السياسي هو الذي يبقيه “خارج الخدمة”، حسب ما أكدت البرلمانية نجاة صليبا في اتصال مع “الحرة”.

وتُرجم نفوذ الحزب في المطار في أكثر من مناسبة، كما في مايو 2008، حين فتح رئيس “اللقاء الديمقراطي”، وليد جنبلاط، ملف كاميرات المراقبة التي زرعها حزب الله في محيط المطار، محذرا من استخدامها في الاغتيالات.
وشدد جنبلاط حينها على أن سيطرة الحزب على المطار تضرب فعالية “الإجراءات التي تقام لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 (الذي يقضي بمنع دخول السلاح إلى لبنان)، إذا كان رئيس جهاز أمن المطار وغالبية العناصر والضباط معه، تابعين لحزب الله الذي لا يعترف بالدولة”.

كما حذر جنبلاط من قدرة عناصر حزب الله على استخدام كاميرات المراقبة للقيام “بعملية تخريبية ومراقبة وصول شخصية لبنانية أو غير لبنانية، وبهذه الطريقة يستطيعون أن يخطفوا أو يغتالوا على طريق المطار”.

استهدفت غارة إسرائيلية مساء السبت مستودعا في محيط مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، المتاخم للضاحية الجنوبية معقل حزب الله، كما أفاد مصدر أمني لوكالة فرانس برس.
وبعد الكشف عن موضوع الكاميرات، اجتمعت الحكومة اللبنانية واتخذت في 5 مايو 2008، قراراً بإقالة قائد جهاز أمن المطار وفيق شقير، مع الإشارة إلى أن هذا الأخير محسوب على حزب الله.

وبعد صدور هذا القرار الوزاري، مع قرار آخر يتعلق بتفكيك شبكة الاتصالات الخاصة للحزب، ارتفع منسوب التوتر في الداخل، حيث انتشر عناصر الحزب المسلحون في بيروت، وحاولوا دخول مناطق من جبل لبنان في 7 مايو 2008.

ويحفظ اللبنانيون هذا التاريخ بشكل جيد، حيث يربطون أحداث “7 أيار” بإخضاع الحزب للحكومة بالقوة، حيث فرض عليها التراجع عن قرارها بقوة السلاح.

وفي حادثة أخرى تظهر درجة التجاذب بشأن المطار، حيث تعرضت شاشاته للاختراق في يناير 2024، لتعرض رسالة مناهضة لحزب الله: “فليتحرر المطار من قبضة الدويلة”.

وتوافق النائبة صليبا على هذه السطوة التي تذكّر بأيام الحرب الأهلية، على حد قولها، مضيفة في اتصال مع موقع “الحرة”، أن “حزبي الممانعة (حزب الله وحركة أمل) يسيطران بطريقة فاضحة على مطار بيروت، حيث المحسوبيات على كل الصعد، من تفتيش إلى أمن عام إلى الفوضى، حتى في ركوب الطائرة”.

وتابعت: “هذا يذكرنا بالسيطرة أيام الحرب الأهلية، فمطار القليعات بقي مقفلا بقرار سياسي، ولا توجد نية للتطوير. ويتوخى بعض الساسة حصر كل شيء بقبضتهم وقطف ثمار الاستثمارات، علما بأن البدائل لا تتطلب تكاليف كبيرة، وأن تشغيل مطار القليعات كفيل بتنمية المنطقة”.

“تخزين السلاح”
كما يتعرض مطار بيروت لمخاطر أخرى، تعكسها الادعاءات بشأن تخزين حزب الله السلاح داخله، علما بأن حكومة لبنان نفت مرارا تلك المزاعم، التي وردت مثلا في صحيفة “تلغراف” البريطانية في يونيو 2024.

تعرضت شاشات عرض المعلومات في مطار بيروت الدولي لاختراق من قبل جماعات محلية مناهضة لجماعة حزب الله الأحد، مع استمرار تصاعد الاشتباكات بين الجماعة المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي على طول الحدود.
ونفى وزير النقل اللبناني، علي حمية، ما كتب حينها، كما قاد في 24 يونيو 2024 جولة ميدانية لسفراء ووسائل إعلام محلية ودولية في كل مرافق المطار، للتأكد من دحض الادعاءات التي “تشوه سمعته”.

وفي هذا السياق، حذر المحلل يوسف دياب في اتصال مع موقع “الحرة”، من المخاطر التي يواجهها المطار، كونه يقع ضمن “المربع الأمني للضاحية الجنوبية، بحيث يطلع حزب الله على كل شاردة وواردة بفضل موظفيه، ويتابع التفاصيل بدقة، وحركة الدخول والخروج، مما يعني أن بحوزة الحزب المعلومات الكاملة لما يحصل داخله (المطار)”.

وربط دياب رفض تشغيل مطار بديل كما في القليعات، بـ”صعوبة السيطرة عليه في بيئة مناهضة للحزب”، موضحا: “منع الحزب طوال السنوات الماضية تشغيل مطار القليعات لأكثر من سبب، أهمها عدم قدرته على بسط رقابته أو سلطته عليه. ولهذا يتمسك بحقيبة وزارة الأشغال، التي يشغلها إما أعضاء منه أو حلفاء له”.

كما يرفض حزب الله إقامة مطار آخر، وفقا لدياب، “ليبقي على قدرة تحكمه بالمواد التي تعبر”، مردفا: “هذه مسألة مهمة للغاية للحزب، إذ أنه يبقى قادرا على تمرير بعض المواد دون رقابة أو تفتيش أو جمرك مثل المواد التجارية أو الصناعية أو التكنولوجية، وهذا ما لن يتمكن من فعله في القليعات”.

قصف على تخوم المطار
ويواجه مطار بيروت اليوم خطرا على مستوى سلامة الطيران، في ظل القصف الإسرائيلي الذي طال أكثر من مرة مناطق متاخمة له.

وكان المطار هدفا في يوليو 2006 للقصف الإسرائيلي، الذي طال المدرج الشرقي وخزانات وقود. واليوم يتجدد الخطر مع تكثيف إسرائيل ضرباتها على الضاحية الجنوبية لبيروت، قرب المطار.

ورصدت كاميرات الإعلام المحلي والغربي مغادرة وإقلاع الطائرات بالتوازي مع تسجيل غارات في مناطق قريبة، جدا مثل الليلكي، شمالي المطار، الثلاثاء الماضي.

وأجبر هذا الخطر شركات الطيران العالمية على المغادرة تباعا، ولم تبق على أرض المطار سوى شركة طيران الشرق الأوسط “ميدل إيست”، الناقل الوطني في لبنان.

يسعى فرقاء السلطة في لبنان إلى تأليف حكومة سريعاً بالاتفاق فيما بينهم تكون مهمتها الأساسية، تحصيل ما يُمكن تحصيله من المليارات التي أقرها مؤتمر سيدر لمساعدة لبنان والتي تبلغ حوالي 11 مليار دولار، هي كفيلة، إذا ما وصلت بالكامل، بانفراجة مرحلية قد لا تتعدى السنة بحسب ما يقول اقتصاديون.
وتعمل الشركة بشكل يفوق طاقتها، مع اتخاذ إجراءات احترازية لحماية أسطولها.

وفي هذا السياق، كان رئيس مجلس ادارة شركة “طيران الشرق الأوسط”، محمد الحوت، قد أعلن تأخير بعض الرحلات المجدولة ليلا أو فجرا إلى اليوم التالي، لأسباب تتعلق بـ”توزيع مخاطر التأمين بين لبنان والخارج”.

وكانت كتلة “تجدد” النيابية، قد وقعت في أغسطس الماضي على اقتراح قانون قدمه المحامي، مجد حرب، بشأن تشغيل مطار القليعات.

وخلال مؤتمر صحفي، أعلن كل من النائبين المعارضين لحزب الله، ميشال معوض، وأشرف ريفي، ضرورة “وجود مطارات أخرى من أجل سلامة الطيران، ومن أجل الاقتصاد الوطني وتحفيز السياحة وقطاعات أخرى والإنماء المتوازن”.

أهمية أمنية وجيواستراتيجية
وفي إطار اللامركزية الإدارية التي نص عليها “اتفاق الطائف”، يبرز مطار القليعات كبديل أكثر فعالية، ويكتسب أهمية أمنية وجيواستراتيجية أكبر مقارنة بمطار بيروت، على حد تأكيد المحلل السياسي يوسف دياب.

ويرتبط ذلك، كما يرى دياب، بأهمية “البقعة الجغرافية التي يتواجد فيها في سهل عكار، حيث لا مخاطر أمنية ولا مبان قريبة، وهو حال لا ينطبق على مطار رفيق الحريري، المعرّض للخطر بفعل قربه من القاعدة العسكرية التابعة للجبهة الشعبية (فصيل فلسطيني) في منطقة الناعمة، وقربه من الضاحية الجنوبية التي تتعرض حاليا للاستهداف المتكرر”.

وتسببت الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان على مدى 15 عاما (من 1975-1989) بتباطؤ النشاط في المطار ثم تعطيله، علما بأنه عمل بشكل متقطع كبديل لمطار بيروت.

كما جرى استخدامه كمرفق داخلي للرحلات من بيروت باتجاهه خلال العامين 1988-1990 بضغط من رئيس الوزراء الراحل، رشيد كرامي.

مطار بيروت.. “في المكان الخاطئ”
ويذهب الباحث في مركز “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، إلى حد القول إن مطار بيروت “يقع في الأصل في المكان الخاطئ”، معتبرا أنه “لا يوجد مطار في قلب عاصمة بهذا الاكتظاظ”.

وقال في اتصال مع موقع “الحرة”، إن “مطار بيروت والمرفأ يخنقان المدينة ويمنعانها من التوسع، ويُفترض نقلهما إلى مكان آخر بعيدا عن العاصمة (إلى طرابلس أو جونية أو صيدا) على الشاطئ اللبناني بطول 220 كم، وهكذا نحرر الواجهة البحرية لبيروت لصالح المشاريع”.

في ظل تصاعد التوتر بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي والخشية من اتساع نطاق الحرب، نشرت صفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو قيل إنه يوثق زحاما خانقا في مطار بيروت بسبب الأعداد الكبيرة من المغادرين الهاربين.

ويعتبر شمس الدين أن مطار القليعات “بديل ممتاز نظرا”، لأنه “لا يشكل ضغطا على العاصمة، ونظرا لأن قيمة الأراضي والاستملاكات أقل بكثير مقارنة بالتكاليف الباهظة في بيروت”.

واعتبر أن “ردم البحر قرب مطار بيروت للتعويض عن ضيق المطار وتوفير مدرج، سيكلف البلاد 97 مليون دولار. أما في منطقة عكار، فثمن الأراضي بسيط ولا تكلف الاستملاكات الكثير”.

وعن تكاليف التشغيل، فقدّر شمس الدين بناء على الدراسات الموجودة حاجة لمبلغ “30 مليون دولار ليعمل بشكل طبيعي”، مشيرا إلى أن كلفة تطويره ليستوعب ملايين الركاب حوالي 400 مليون دولار.

ومع ذلك، يعدّ هذا المبلغ بسيطا قياسا بالإيرادات التي قد تتحقق، حيث يحمل تشغيل هذا المطار معه آمالا تتكرر مع كل دورة انتخابية، ووعودا بإنعاش المنطقة بأكملها في الشمال وعكار.

ويجزم شمس الدين أنه بعيدا عن الاعتبارات السياسية والحزبية المختلفة، فإن مطار القليعات “لا يمثل فقط البديل، بل تنعدم معه الحاجة لمطار بيروت، حيث يسمح ربط العاصمة بالقليعات والاوتوستراد العربي الذي يمر بالبقاع، بقطع نحو 120 كم خلال ساعة”.

وهذا يعني، كما أضاف شمس الدين، “أننا لن نحتاج إلى مطار ثاني أو ثالث في لبنان. ويمكن بعدها استثمار عقارات مرفأ ومطار بيروت لإقامة مشاريع سكنية وتجارية وتأمين الإنماء المتوازن بين المناطق كافة”.

مطار تاريخي.. وتكريم رئيس راحل
بني مطار القليعات عام 1941، على بعد كيلومترات معدودة من الحدود اللبنانية السورية، بعد سنوات قليلة على افتتاح مطار بيروت رسميا سنة 1938.

وتذكر بعض السجلات التاريخية الأجنبية هذا المطار كقاعدة عسكرية استخدمت في النقل المدني، وكموضوع لبحوث في مجال الأشغال العامة والطيران.

ويتمركز مطار القليعات، حسب نسخة عدد عام 1951 لإصدار Flight & Aircraft Engineer الذي يعنى بالطيران والهندسة المدنية، بشكل بارز ضمن مشروعات الطيران المهمة، وطالما شكّل مكانًا حيويًا بين محطات الطيران في لبنان وسوريا، متصلًا بالخطوط التي تمتد عبر المنطقة.

ويحمل المطار اسم الرئيس اللبناني رينيه معوض، الذي انتخب في حرمه، أول رئيس للجمهورية اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية باتفاق الطائف عام 1989.

وتكرم هذه التسمية، معوض الذي لم يدم عهده سوى 17 يوما، بعد اغتياله في انفجار سيارة مفخخة في بيروت.

واستخدم المطار في أوائل الستينيات، بمثابة مطار خاص لشركة نفط استعانت بطائرات صغيرة لنقل موظفيها بين لبنان والدول العربية.

وفي عام 1966، أصبح تحت إمرة الجيش اللبناني، الذي استخدمه منذ ذلك الحين كقاعدة عسكرية.

وبين أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، خدم أيضًا رحلات الركاب الداخلية، قبل التوقف عن العمل باستثناء النشاط العسكري الخفيف، وفقا لدراسة “للبنك الأوروبي للإعمار والتنمية” (EBRD).

وفي لبنان مطاران غير القليعات، وأهمهم حاليا، مطار رفيق الحريري الدولي، الذي يضم قاعدة بيروت الجوية العسكرية ويقدم خدمات الطيران العام لأكثر من 45 شركة طيران عالمية كبرى، تسافر لأكثر من 60 وجهة حول العالم في الأيام العادية.

وهناك أيضا مطار رياق الصغير، الذي يعدّ أول قاعدة جوية لبنانية في وادي البقاع، ويضم معظم أسطول القوات الجوية اللبنانية، وجميع الطائرات الخارجة عن الخدمة تقريبًا.

“الحرة”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى