إعلانُ رئيس مجلس النواب نبيه بري مؤخراً إستمراره بـ”المقاومة الدبلوماسية” المساندة لـ”حزب الله” ضد العدو الإسرائيلي في ظلّ معارك الجنوب، يطرح معادلة مؤازرة جديدة لا يمكن للحزب أن يتنازل عنها في ظل الواقع القائم.
حقاً، يُعتبر بري “صمام أمانٍ” للحزب.. هذا ما تقوله مصادر الأخير لـ”لبنان24″، مشيرة إلى أنه “بناء للسبب المذكور، لا يسأل الحزب بتاتاً عن تفاصيل حراك برّي مع الموفدين الدوليين الذين يتابعون عن كثب أحداث جنوب لبنان، ويسعون إلى فرض معادلات تساهم في تحصين أمن إسرائيل بالدرجة الأولى”.
ماذا فعل بري؟
بدورها، تقول مصادر مقربة من “الثنائي الشيعي” لـ”لبنان24″ إن بري يُمثل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في الموقف الوطني المرتبط بالمقاومة، فالطرفان يتلازمان تماماً في الموقف، كما أنّ بري يعي تماماً ما يفعله نصرالله ميدانياً والعكس صحيح.
ما يتبين هو أن “الأستاذ” شكّل “الحصانة” الرسميّة لـ”حزب الله” ولنصرالله، فهو الذي يُفاوض عن الحزب بشأن الطروحات الأخيرة المرتبطة بإنهاء جبهة الجنوب، وآخرها الخطة الأميركية التي تنص على إنسحاب “حزب الله” لمسافة تصل إلى 8 كيلومترات عن الحدود، مع منح لبنان “جزرة إقتصادية”.
بالنسبة لبري، فإنّ القبول بأيّ طرحٍ يؤثر على قوة “حزب الله”، يعتبر “خطّا أحمر” لا يمكن تجاوزه بتاتاً، كما أن مسألة إنسحاب الحزب من الجنوب بناء للرغبة الإسرائيلية “ليست واردة” على الإطلاق.
المصادر توحي أن بري لن يُقدم على القبول بهذا الطرح، كما أن إجابته ستكون محسومة بـ”لا” من دون مراجعة حارة حريك بالأمر. الأهم من هذا كله هو أنّ بري وبإعلانه إندماج “حركة أمل” في معارك الجنوب، يعني أنه بات طرفاً قتالياً بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن أي إنسحاب للحزب سيعني إنسحاباً لـ”أمل” أيضاً.. فهل ستقبل الطائفة الشيعية بذلك؟ هل سيقبل بري ونصرالله بـ”تفريغ” الجنوب من المقاتلين؟
ما فعله بري هنا هو أنه لم يترك “حزب الله” بمفرده أمام “مقصلة الإقصاء” بل إنضمّ إليه مُسانداً، فبات القتال مشتركاً، وبالتالي الشروط التي سيتلقاها الحزب ستتلقاها “أمل”. في المشهدية هذه تتجلى “وحدة الحال”، في حينِ أنَّ المسألة الأكثر تأثيراً هي أن بري وبتبنّيه لغة الميدان، بات مفاوضاً من البوابة العسكرية أيضاً، فهو القائد الأعلى لـ”حركة أمل” قبل أن يكون رئيساً للبرلمان. بري هو رئيس حركةٍ لديها الآن ثلة من المقاتلين في الجنوب، وبالتالي فإن نقاشه مع الأميركيين أو الفرنسيين بشان حلحلة أزمة الجبهة الجنوبية، سيكون من منطلق عسكري، وليس فقط من البوابة الدبلوماسية والسياسية.
أمام كل ذلك، ما يظهر هو “الإستاذ” بات يلعب أكثر من دورٍ في آنٍ واحد، وهذا الأمر يُريح “حزب الله” كثيراً، كما أنه يُعزز دور الطائفة الشيعية، ويلغي نظرية الإستفراد بـ”الحزب” على صعيد إستهدافه وحيداً. التأثير الأكثر ثباتاً هنا يندرج في أن ما يقوله بري يصل إلى الأميركيين من بوابة القوة، فهؤلاء بحاجة للتنسيق مع رئيس البرلمان وعدم إستبعاده، كما أنهم يعون تماماً دور الأخير إلى جانب “حزب الله” سواء من ناحية المساندة الشعبية أو السياسية.
في هذا الإطار، يمكن تثبيت نظرية أن الأميركيين، “لن يتركوا” عين التينة رغم الموقف “العسكري” الصريح لبري. بشكل أو بآخر، فإن “رئيس المجلس” استطاع أن ينقل “حزب الله” إلى طاولة التفاوض علناً، كونه يتحدث باسمه دبلوماسياً، وبالتالي بات الأميركيون على تواصل مع الحزب ولكن من بوابة بري حصراً.
إنطلاقاً من كل ما تقدّم، يتضح تماماً أن بري نسف مباشرة أي شكوك بشأن أي مساومات، فانضمامه إلى جبهة الحزب عزّز من الثقة داخل الطائفة الشيعية وبالتالي زاد من تماسكها وتعاضدها في وجه إسرائيل. وبذلك، يمكن اعتبار أن الحرب جمعت “الإخوة” أكثر رغم بعض الإفتراقات السياسية، وقد تكون معركة الجنوب تكريساً لإعادة تثبيت مبدأ المقاومة “العابرة” لـ”حزب الله” وغير المقتصرة عليه. فمثلما للأخير دور، فإن لـ”أمل” دور أيضاً وما من جهة يمكن أن تغطي على هذا الأمر بتاتاً، لا في الدبلوماسية ولا في الميدان..