نظامٌ جديد سيُطرأ على الحرب مع اسرائيل
أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله بشكل رسمي أنها أدخلت إلى معادلة الحرب مع الاسرائيلي، وللمرة الأولى في تاريخ صراعها مع الاسرائيلي نوعية خاصة من الأسلحة الصاروخية، يعتقد أنها صواريخ موجّهة منحنية.
وكشف حزب الله عن ذلك في مقطع فيديو نشره الإعلام الحربي أمس، عرض من خلاله كيفية استهداف أحد الرادارات المحصنة خلف جدار إسمنتي في موقع جل العلام – دفورانيت، وهو موقع إسرائيلي متخصص في الجمع الاستخباري ومزود بتقنيات عالية للمسح الراداري والبصري للجبهة اللبنانية بعمق يصل إلى عشرات الكيلومترات. وسبق للمقاومة أن دمّرت معظم تجهيزات الموقع، لكنّ أحد أهم الرادارات فيه ظلّ بعيداً عن الاستهداف حتى يوم أمس، بسبب ارتفاع الموقع عن محيطه والأراضي اللبنانية المواجهة أولاً، وتحصينه خلف جدار إسمنتي بطول 9 أمتار ثانياً، وهو ما جعل المقاومة تستهدفه بصاروخ تلفزيوني دقيق وموجّه ومنحني المسار وتدمّره. ما أهمية إدخال هذه الصواريخ إلى معادلات المواجهة المشتعلة على الحدود منذ أكثر من 3 أشهر؟ وكيف قد ينعكس ذلك على طبيعة الحرب مع الاسرائيلي في الميدان وخلفه؟ تعدّ الصواريخ المنحنية من عائلة الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والتحصينات، كالكورنيت والتاو وغيرها، ولكنها تمتاز عنها بشكل أساسي من خلال نوعية المسار الذي تتخذه للوصول إلى الهدف. وبينما يتخذ صاروخ الكورنيت الأكثر شهرة حتى الآن في هذه الحرب مساراً مباشراً من منصة الإطلاق نحو هدفه، ويحتاج بالتالي إلى أن يكون الرامي في وضعية مواجهة للهدف وكاشفة له، وفي المقابل مكشوفة عليه، يمكن للصواريخ المنحنية إصابة الأهداف من خلال مسار غير مباشر وغير مواجه للاسرائيلي.
تعطي تقنية الصواريخ المنحنية الموجهة أفضلية كبيرة لمن يستعملها في جبهات القتال في الحروب الحديثة، فهي تسمح بإصابة أهداف غير مكشوفة بشكل مباشر بالنسبة إلى الأسلحة التقليدية، كالقذائف المدفعية والصاروخية المباشرة، وتمتاز عن المدفعية المنحنية والهاون بأنها دقيقة التوجيه ويمكن التحكم فيها وتأكيد الإصابة. تحتاج الصواريخ والقذائف المباشرة إلى انكشاف الهدف على الرامي ومنصة الإطلاق أو المدفع، وبالتالي يعرّض ذلك الذي ينفّذ العمل العسكري لمخاطر، أولها إمكانية الرصد والكشف، وكذلك إمكانية التعرض لنيران مقابلة في حال كان هناك من يرصد ويقوم بالتأمين للهدف. أما في حالة الصواريخ المنحنية الموجهة، فتمتلك إمكانية خاصة في إطلاقها من منصات غير مكشوفة على الاسرائيلي، وقد تكون فوق أو تحت الأرض، وأن يتمّ التحكم في الصاروخ وتوجيهه بشكل دقيق من دون تعريض المنفّذ للعمل العسكري لمخاطر الاستهداف بنيران مباشرة من الموقع المستهدف، فليس بالضرورة أن يكون مكشوفاً عليه. غالباً ما تكون التحصينات أو التدريع في حالة الدبابات والآليات متركزة على الجوانب حيث يحتمل بشكل أكبر أن تتعرض لإصابة بأنواع أسلحة مختلفة. في حال الدبابات والمدرعات، يبرز هذا المبدأ بشكل واضح، إذ تعتمد مختلف أنواع الدبابات في العالم على تدريع أمامي وجانبي أساسي، وتدريع أسفل وخلفي ثانوي، فيما يكون التدريع الأقلّ سماكة من جهة الأعلى، بسبب ندرة تعرّض الدبابات لقذائف من الأعلى تاريخياً. ومع انتشار المسيرات الانتحارية، سارعت البلدان المنخرطة في معارك كروسيا وأوكرانيا إلى تزويد دباباتها بمظلات حديدية لمحاولة حمايتها من استهدافات المسيرات. وقد قام جيش الاسرائيلي بتزويد بعض دباباته بمظلات حديدية على عجل بعد طوفان الأقصى، بعد تعرض بعض دباباته لاستهداف بالطائرات المسيرة من الأعلى. ولكنّ هذه المظلات تبقى محدودة الفعالية أمام المسيرات المفخخة نفسها، فضلاً عن الصواريخ المنحنية التي تستهدفها بشكل مائل، وتمتلك القدرة على المناورة والإصابة بشكل دقيق حتى برغم وجود مظلة حديدية، إضافة إلى أنّ الرأس الحربي الكبير للصاروخ المنحني، الذي قد يصل إلى 10 كغم، وقد يكون ترادفي الانفجار في حالة الصواريخ المضادة للدروع، يجعل المظلة الحديدية خفيفة التدريع غير ذات جدوى في صدّ القدرة الانفجارية الكبيرة للصاروخ. يحلّق الصاروخ على ارتفاع منخفض جداً من عشرات الأمتار، ويتوجه نحو الهدف بشكل مناور بحسب توجيه من يتحكم فيه، كما لا يحتاج إلى منصات إطلاق كبيرة أو مدرج أو مناطق مفتوحة، كما هي حال المسيرات، ولا ترصده الرادارات المخصصة للطائرات، فضلاً عن أنّ صواريخ القبة الحديدية لا تستطيع التعامل معه لكونه غير مرتفع بما فيه الكفاية. خلال الفترة الماضية، اعتمدت قوات الاسرائيلي على مبدأ إخلاء المواقع الأمامية المواجهة للجغرافيا اللبنانية بشكل شبه تام في مقابل انتقال قسم من الجنود للتمركز في المناطق المحمية والمستعمرات والغرف، وخلف المنشآت والجدران الإسمنتية والأبنية الموجودة على طول حدود فلسطين المحتلة مع لبنان. وحتى مع استعمال المقاومة للمسيرات الانقضاضية، فقد أبقى الاسرائيلي على جزء من وجوده في المنطقة بهذا الشكل، لأنّ المسيرات تحتاج إلى أن يتمّ إطلاقها من بعيد، وبالتالي لا تعدّ من الأسلحة التي يمكن الركون إليها في التعامل مع أهداف سريعة قد تظهر فجأة وتختفي، كما هي الحال مع جنود الاسرائيلي على الجبهة جنوبي لبنان، وتبقى أهميتها الأساسية في استهداف المنشآت الثابتة، مع الأخذ بالاعتبار طبيعة الدفاعات الجوية الإسرائيلية الموجودة. واعتمد الاسرائيلي كذلك على مرابض مدفعيته الموجودة خلف الخط الأمامي لاستهداف المناطق الحدودية بالقذائف، من غير أن تكون هذه المرابض معرّضة لنيران الصواريخ المباشرة، كما أنّ استهدافها بالراجمات الصاروخية يتضمّن كشفاً لمنصة الإطلاق وتعريضاً للمنصة والمنفذين لخطر الاستهداف، فضلاً عن كون دقة الصواريخ البالستية قصيرة المدى، كالغراد والكاتيوشا، غير كافية لتأكيد الإصابة وتحتاج إلى رصد دقيق مسبق ومحدّث. واليوم، مع إدخال المقاومة هذه التقنية في المواجهة، يمكن التأكيد أنّ الاسرائيلي بات مضطراً إلى إعادة تشكيل قواته وترتيب انتشاره بالكامل على طول خط المواجهة، وبعمق غير معلوم قد يصل إلى عدة كيلومترات أقله، فضلاً عن شمول ذلك المناطق التي كانت تعدّ محمية جغرافياً أو اصطناعياً، سواء تلك الواقعة خلف التلال وغير المواجهة للبنان، وتجهيزاته التي كان يراهن على أن تحميها الجدران الإسمنتية والتحصينات الصخرية التي يستعملها. كما أنّ دبابات الاسرائيلي لم تعد تستطيع الركون إلى أنّ وجودها خلف الخط المواجه للجبهة يعني أنها آمنة من الاستهداف، فضلاً عن كون معظم دبابات الاسرائيلي الموجودة في جبهته الشمالية لا تمتلك مظلات حديدية مستحدثة، ولا أمل لها في مواجهة أي استهداف علوي، سواء عبر مسيرة أو عبر صاروخ منحنٍ موجه. لم يصدر عن المقاومة أي إعلان بشأن نوعية الصاروخ المستخدم، وتمّ الإصرار في البيان على الاكتفاء بتعريف هو “أسلحة صاروخية خاصة”، وهو ما ينفي كون الضربة تمت بمسيّرة انقضاضية، ويجعل الإسرائيلي عاجزاً عن تقدير أيّ معلومة بشأن نوع ومدى الصاروخ المستخدم وقدرته التدميرية وطبيعة أجهزة التحكم الخاصة فيه أو شكل منصة الإطلاق، ويضيف إلى أزمته في مواجهته مزيداً من التعقيدات. ولكنّ العديد من الخبراء العسكريين، بينهم إسرائيليون علّقوا بقلق واضح على الفيديو المنشور، رجّحوا أن ينتمي الصاروخ إلى عائلة صواريخ “ألماس” الإيرانية أو نظيراتها المطوّرة عند المقاومة الإسلامية، وهي صواريخ تمّ تصنيعها لمواجهة صواريخ “سبايك” الإسرائيلية. وبحسب ما تمّ ذكره في العديد من المواقع والحسابات المتابعة للشؤون العسكرية، فقد تمّ تصميم هذه الصواريخ وتصنيعها خلال العقد الماضي بشكل خاص على عدة أجيال وبعدة أنواع وأحجام، وهي تختلف عبر نوعية الرأس المتفجّر (ترادفي مضاد للدروع – ناسف – فراغي)، وحجمه (من 1.5 كغم حتى 15 كغم)، وطبيعة جهاز الاتصال والتوجيه (ليزري – لاسلكي – تلفزيوني/ منفصل – متصل بمنصة الإطلاق)، وكذلك عبر نوعية جهاز الرصد (كهربصري – حراري) والمدى الأقصى للصاروخ (من 5 إلى 15 كيلومتر). |