الردّ… مسألة حياة أو موت للمقاومة
لم يكن ينقص مشهد الإنقسام في الرأي حول الواقع الأمني في الجنوب والعمليات العسكرية التي تأخذ أبعاداً خطيرة، إلاّ الحديث عن “استحضار” صور حقبة سابقة من الخلافات بين اللبنانيين في ضوء دخول العامل الفلسطيني على خطّ هذه العمليات، ما طرح تساؤلاتٍ حول ترجمة هذا الإنقسام في الرأي، وسط حديثٍ عن “خشية حقيقية من ترجمتها بمواجهات ولو على صعيد الشارع على شكل تظاهرات”، كشف عنها المحلل والإستشاري في مجال ديمومة الإعلام داوود ابراهيم، الذي لاحظ أن “التعبير عن الإنقسام على مواقع التواصل الإجتماعي أخذ بعداً خطيراً، وزاد من مظاهره الخلاف حول القرصنة التي تعرّضت لها الشاشات في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، حيث تمّ نشر موقفٍ منتقدٍ للحرب الدائرة في الجنوب”.
وتوقع المحلل ابراهيم في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت” أن يكون المشهد اللبناني “مقبلاً على تحركات بأشكال مختلفة تتكامل مع تلك الحملات الإعلانية التي انتشرت حول ضرورة تجنيب لبنان الحرب وتبعات ما يحصل في غزة، فالإنقسام الطائفي والتحريض المستمر قد يجد صدىً أوسع في الأيام المقبلة”.
وعن دخول لبنان فعلياً مدار الحرب، قال ابراهيم إن “التصعيد الامني مستمر ويتطور، والأخطر هو الإعتداء الذي استهدف قلب الضاحية الجنوبية والمستجد هو أنّه مع تأخّر الردّ يواصل الإسرائيلي خروقاته وأخطرها استهدافه أحد قادة المقاومة الميدانيين”.
وبالتالي، وجد ابراهيم، أنه “كلما تأخر الردّ، سيبدو وكأن اليد العليا في المعركة هي لصالح إسرائيل وهذا ما لا يستطيع حزب الله التسليم به أو التغاضي عنه. لذا من المؤكد أننا بانتظار تفجير أوسع، وعلى الأرجح ستكون الأهداف في العمق الإسرائيلي بما يعيد ترميم توازن الردع الذي كان يحكم العلاقة بين الطرفين، فعدم ردّ الحزب بعد كل ما جرى يتمّ تصويره على أنه خضع للضغوطات الخارجية أو كما يصوّر خصومه أن إيران ليست في وارد التصعيد في ظل المفاوضات التي تخوضها مع الغرب راهناً، بالتالي فطهران هي التي تعمل على منع تسعير الجبهة الجنوبية. ولأنّ حزب الله يقول إن الكلمة الفصل في هذا الملف هي بيد المقاومة حصراً، فهو ملزم بالردّ، وتبقى المسألة في طبيعة هذا الردّ وحجمه وأهدافه”.
وعن الإتفاق الذي يسعى إليه الوسيط الأميركي آموس هوكستين من أجل إنجاز هدنة طويلة الأمد مع تحقيق انسحاب إسرائيلي من بعض النقاط الحدودية، رأى ابراهيم أن هوكستين “لا يملك سوى ممارسة الترغيب عند الجبهة المقابلة من حدودنا الجنوبية، والترهيب عندما يتعلق الأمر بالجانب اللبناني، وطالما هذا هو الحال فإن إسرائيل لا تجد نفسها محرجة أو ملزمة أو في مأزق، فالحرب حتى الآن حققت لها الكثير من الأهداف، أهمّها تهجير وتدمير وقتل الآلاف من دون ثمن تدفعه، حتى كلفة العتاد والذخيرة عبارة عن تبرعات خارجية. وتظن أن ما يحصل فرصة لنقل الحرب إلى مستوى آخر، وتصفية حسابات عالقة. وبالنسبة للبنان ستنجح الزيارة بتعزيز الإنقسام حول العمل المقاوم وكلفته وضرورة التسليم بإرادة المجتمع الدولي بقيادة واشنطن. ووفق هذا الواقع يمكن تلمّس ما سبق وذكرناه حول الإنقسام وتصاعده وتطوره، فلا مجال ولا أفق للحديث عن هدنة طويلة بين لبنان وإسرائيل طالما لم تجفّ الدماء في فلسطين أو لبنان، ولا إمكانية للحديث عن حلٍ أو تسوية إلاّ إذا أعلنت إسرائيل عن استعدادها للإنسحاب من مواقع تحتلها في جنوب لبنان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا. فهل من بوادر لتحقيق أي أمر من هذا خصوصاً في ظل الفراغ الرئاسي؟ أظن الصورة أكثر تعقيداً ممّا يتمّ تصويره”.
ولجهة القرار بالتصعيد من جانب الحزب، لاحظ ابراهيم أن “التصعيد واقع، والمشكلة هل سيكون ضمن حدود أم انه سيكون بلا سقف، وهنا جوهر القضية، وبحسب ما تتجه إليه الأمور، من المرجّح أن الأوضاع ستتأزم ولا مفرّ من تطور الأمور بشكل سريع نحو مواجهة أوسع، خصوصاً وأن الدعوات للردّ والإقتصاص واستعادة القدرة على الردع وإلزام إسرائيل بالتراجع، أصبحت مسألة حياة أو موت بالنسبة لمحور المقاومة”.
وعن احتمالات نجاح مساعي التهدئة الدولية، لم ير ابراهيم أي مسعى جدي للتهدئة في ظل الدعم المتواصل لإسرائيل في حربها، كما أن لجم الجبهة المقابلة لا يمكن أن يستمر طويلاً، فاذا نجح العرب في التوصل إلى إلزام إسرائيل بإعلان وقف العمليات العسكرية، من الممكن الوصول إلى تهدئة، وإلاّ فنحن على وشك مشاهدة أعمال قصف تطال العمق الإسرائيلي، خصوصاً وأن حجم المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي يمكن ان تبرر لأي طرف أن يرد، بل وسيجد الذي يردّ على إسرائيل اليوم، تعاطفاً في الشارع الغربي كما يمكن أن يعيد إشعال الشارع العربي بالتظاهرات الداعمة للمقاومة والمؤكدة على حق الشعب الفلسطيني في أرضه”.