بدأت في الأيام الماضية “حملة” في لبنان عنوانها الرفض لأن تتحمل الدولة مسؤولية ما تدمّر نتيجة الإعتداءات الإسرائيلية في الجنوب. فيما بعد تطورت “الحملة” باتجاه تبنّيها من قبل مجموعة من النوّاب. هؤلاء الذين ينعتون أنفسهم بـ”سياديين” و “تغييريين”، تباروا في الإعلان، في الخفاء وفي السر، رفضهم أن تتولّى الدولة دفع تعويضات للمتضرّرين من الأهالي، وقد تزامن ذلك مع طرح الملف على النقاش على طاولة مجلس الوزراء الذي أقرّ في جلسته الأخيرة تخصيص مبلغ يساوي 10 ملايين دولار أميركي كتعويضات.
لم يطل الأمر حتى جرى تبنّيه ايضاً من قبل رؤساء أحزاب، ليس آخرهم رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الذي أبدى رفضه أن تقوم الدولة بدفع أية تعويضات. ويبدو واضحاً أن “المشروع” قيد التعميم في الأيام المقبلة، وستبدأ بعض الأصوات بالإرتفاع إعتراضاً.
تقوم فكرة هؤلاء على أن من تسبّب بالحرب في الجنوب كان “حزب الله” من خلال هجومه على مواقع الحافة الأمامية الإسرائيلية ما استدرجَ ردود فعل من جانب “إسرائيل”، وإن أحداً لم يجز له إطلاق الصواريخ. ولكون قرار الحرب والسلم لم يكن في يد الدولة اللبنانية، فإن هذه الدولة “غير معنية” بما جرى، وليتحمل الحزب وزره!
وتستبطن مثل هذه الدعوة رهاناً لدى هذه الأطراف، في وضع الاهالي في مواجهة “حزب الله” بصرف النظر حول مدى إمكانية حصول ذلك من عدمها ، أو الشروع في مواجهة أخرى، سياسية، مختلفة مع الحزب.
تزامنت هذه الدعوة مع أخرى وجهها رئيس مستوطنات “كريات شمونة” فيحاي شتيرن، وآخرين، تمنوا على المستوطنين القاطنين في منطقة الشمال عدم العودة إلى ديارهم قبل إيجاد حل لحضور “حزب الله” على طول الجبهة. وقد تمت مواكبة هذه الدعوات بتغطية خاصة من جانب العدو.
بحسب وسائل إعلام “عبرية”، تعد هذه الدعوة –التي تخدم دعاية الحكومة وتصبّ في مصلحتها نوعاً ما هذا إن لم يكن هي من يُحرّكها- نوعاً من أنواع الضغط، سواء على الداخل الإسرائيلي أو على الدول الخارجية وتلك المعنّية بالملف اللبناني، من أجل ممارسة ضغط على الدولة اللبنانية، لتمارس هذه الأخيرة ضغطاً على الحزب للحد من حضوره على طول خط الحدود، وأيضاً لأن تشكل هذه الدول الخارجية عامل ضغط على الحزب من جهة، وتساند خطاباً لبنانياً سياسياً مواجهاً للحزب ضمن هذا البند من جهة أخرى. ولو أن هؤلاء جميعاً يعلمون النتيجة سلفاً، وأن “حزب الله” باقٍ عند الجبهة، فلا مشكلة في محاولة خلق “جو” مساند، قد ينقل الملف في ما بعد إلى نيويورك!
ربطاً بالنتائج، لا يمكن تجزئة خطاب بعض الداخل الساعي لممارسة الضغوطات، كالإسرائيليين تماماً، ومن وجهة نظره، على “حزب الله”، من خلال موضوع “التعويضات” وزيادة منسوب إزعاجه عند الجبهة الجنوبية، ومحاولة التضييق عليه أو حتى العمل على إخراجه من هناك، بتماهٍ واضح مع طروحات خارجية يُعد العدو جزءاً منها.
هذا السلوك، لا يعد بريئاً أو أنه أتى من خارج تنسيق بين مجموعات سياسية معينة في الداخل اللبناني. حيث أن التفاعل أخذ يتصاعد تدريجياً وصولاً إلى تبنّيه كـ”مشروع” شكل أداة للضغط. كذلك لا يمكن إعفاء أدوار خارجية من التأثير فيه، طالما أن ما يطرحه، “يُربط” خيوطه هنا وهناك.
عملياً، يأتي الطرح متزامناً مع بدء الحديث حول القرار 1701 المقرّ عام 2006 وضرورة تجديده، إن لم يكن عبر النص فمن خلال الممارسة. ويدعو الداعمين لهذا التوجه إلى بدء تطبيق القرار، بدءاً بإخراج المسلحين (والقصد هنا عناصر المقاومة) من منطقة جنوب نهر الليطاني إلى شمالها، مروراً بتعزيز دور وحضور اليونيفيل والجيش اللبناني. وللإشارة، فإن هذه الفكرة أساساً قديمة، وقد طرحت منذ بدء العمل في القرار. لكن الجديد اليوم، هو استغلال ما حصل في الجنوب من معارك على مدى 48 يوماً من بدء عملية “طوفان الأقصى”، على اعتبار أنه مثّل “خرقاً للقرار أو ساهم في تقويض هذا القرار”.
ما يستجدّ اليوم، تزكية دعوة لرفع عديد عناصر الجيش اللبناني المولجين الإنتشار في الجنوب، خصوصاً في ظل عدم وجود إحصائية واضحة لدى اليرزة تظهر عدد الجنود المنتشرين هناك. مع الإشارة إلى أن القرار 1701 ينصّ على انتشار حوالي 15 ألف جندي. الحديث اليوم الذي تضج به صالونات سياسية، ينحو باتجاه العمل “خارجياً” على رفع عديد هذه القوات، وصولاً إلى 20 ألف عنصر أو أكثر بقليل. ولخدمة هذه “الأجندة” يتمّ تسويق نظريات من قبيل أن الخارج يتبنّى تغطية نفقات هذه القوات ضمن “مشروع” يزيد من المساعدات المقدمة إلى الجيش اللبناني! يترافق ذلك مع بدء تهيئة الأجواء نحو الذهاب إلى مجلس الأمن، خلال العام المقبل ومع دخول فترة التجديد للقوات الدولية، من أجل إدخال تعديلات على ما تسمّى “آلية العمل” تمنح القوات الدولية العاملة في الجنوب صلاحيات أوسع!
هذا كله يعني أن المواجهة لن تبقى محصورة عند جبهات الجنوب، وستنتقل إلى ما يشبه “جولات من المواجهة السياسية”.