صحيحٌ أن “حزب الله” خسر 3 عناصر تابعة له بقصفٍ إسرائيليّ طال جنوب لبنان يوم أمس، لكنّ ذلك لا يعني تدحرج الأمور نحو مواجهة شاملة كردّ من الحزب على الإستهداف الذي حصل. فعلياً، ضبطَ “حزب الله” نفسه وميدانه بشكلٍ بارز، وما جرى هو أنّه حافظ على “قواعد الإشتباك” القائمة بينه وبين إسرائيل منذ حرب تمّوز عام 2006، إذ لم يتخطاها أو ينسفها بعكس ما كان متوقعاً.
إنطلاقاً مما ذُكر، يوم القول إنَّ فُرص الحرب بين إسرائيل والحزب ما زالت مُتراجعة رغم التوتر الذي حصل، فسيناريو الإستهداف الذي طالَ عناصره كان جرى في أوقاتٍ سابقة في أكثر من زمان ومكان، وعليه كان الردّ موضعياً ومحدوداً مثلما حصل يوم أمس حينما استهدف الحزب ثكنتين إسرائيليتين إنتقاماً لشهدائه الثلاثة من دون فتح معركةٍ جديدة مماثلة لعملية “طوفان الأقصى” التي تخوضها حركة “حماس” ضدّ إسرائيل منذ يوم السبت الماضي.
في الواقع، يُمكن إعتبار إنخراط الحزب بمعركة “حماس” بمثابةِ تأكيدٍ على ثقله ووجوده الأساسيّ على صعيد جبهات المواجهة ضدّ العدو. الأمرُ هذا محسومٌ تماماً إذ لا يمكن للحزب ولو للحظة أن يكون بمنأى عن أي جبهةٍ تخوض معركة ضد إسرائيل، وبالتالي سيجدُ نفسه مُلزماً لإسداء رسائل ولو محدودة للقول إنّه حاضرٌ وليس غائباً ولديه قدرة التأثير على مسارات المعارك حتى لو لم يكن طرفاً أساسياً بها. هنا، وإنطلاقاً مما حصل، يمكن أن يعتبر الحزب خطوة تقديم عناصر له كشهداء في ظلّ معركة “طوفان الأقصى”، بمثابة الثمن الأساس الذي يمكن أن يقدمه لمحور المقاومة ضمن ظروفه الحالية، والتي تفرض عليه عدم الذهاب بعيداً نحو مواجهة مفتوحة.
على صعيدٍ آخر، ما تبينه المعطيات هو أنّ الحزب لن “يغامر” باتجاه تعقيد الأمور في الجنوب لسببين: الأول وهو عدم وجود أرضية داخلية مؤاتية لأي حرب في ظلّ التخبط الذي يعيشه لبنان أمنياً وإقتصادياً وسياسياً، في حين أن السبب الثاني يقول إنّ الإستهداف الإسرائيلي للجنوب لم يتحوّل إلى مواجهة مفتوحة، وبالتالي يرى الحزب ما جرى محصوراً في إطار مناوشاتٍ يجب الرد عليها بمناوشاتٍ مماثلة.
في مقابل كل ذلك، يُصبح قرار إتجاه “حزب الله” نحو خوض معركة مرتبطاً بأمورٍ حاسمة ويمكن أن تكسِر من تقدّم “محور المقاومة”. هنا، قد تكون أي حملة برية إسرائيلية ضد قطاع غزة هي المُحفز الأول لـ”حزب الله” نحو إتخاذ قرارٍ بتوسيع رقعة عملياته في الجنوب. مع هذا، وفي حال رأى الحزب أنّ هناك حرباً شاملة ستُخاض ضد “حماس” عبر أطرافٍ خارجية مثل الولايات المتحدة بهدف حماية إسرائيل، عندها من الممكن أن يكون قرارُ الحسم قد اتُّخذ لفتح الجبهات كافة إنطلاقاً من لبنان مروراً بسوريا وصولاً إلى الداخل الفلسطيني.
رعب عسكريّ
ووسط ما يجري، يمكن إستنتاجُ أن المأزق الذي يُؤرق إسرائيل حالياً يتصلُ بأمرين: الأول وهو تطويق ذيول عملية “طوفان الأقصى” والثاني إستثناء لبنان من معادلة الحرب. لهذا السبب، جاءت تحذيرات أميركية لافتة يوم أمس من “البنتاغون” من خطورة إندماج “حزب الله” في المعركة القائمة، والأمرُ هذا له أبعادٌ كبيرة أساسها أنّ إسرائيل تسعى لـ”إبعاد شر الحزب” عنها قدر الإمكان، وتحمُّل أي شيء منه مع إستفزازه وإستهدافه ضمن أُطرٍ محدودة. هنا تكمنُ الإنعطافة المفصلية، وما يتبين هو أنّ أخذ دور “حزب الله” في الحسبان من دون أن يقوم بأي فعلٍ ميداني، يعتبرُ عامل “رعب” لا يمكن لإسرائيل تغاضيه، وهذه النقطة مهمة جداً وتفرض نفسها أصلاً الآن في ظل حرب غزة.
أمام كل الأحداث التي حصلت، يبقى السؤال التالي: ماذا بعد؟ هنا، ما يمكن قوله بناءً للتوقعات والقراءات هو أنّه طالما بقيت عملية “طوفان الأقصى” قائمة ومستمرة، سيظلّ الجنوب تحت التوتر بسبب الإسرائيلي، وسيبقى “حزب الله” مستنفراً ومُعرضاً للإستهداف مُجدداً. عندها، سيعود سيناريو الرد إلى الواجهة، وهذا أمرٌ متوقع حصوله في أي لحظة وسط الظروف القائمة.