الحديثُ الأخير عن تحضير إسرائيل لعملية بريّة ضد لبنان وتحديد موعد 15 آذار الجاري كآخر فرصة للوصول إلى تسوية سياسية بشأن “جبهة الجنوب”، يعتبر عنصر ضغطٍ كبير تعتمده إسرائيل دائماً ضد لبنان من أجل رفع سقف المطالب والحصول على الكثير منها.
فعلياً، من يراقب الميدان في جنوب لبنان، سيستنج أنّ الظروف المؤاتية للحرب ليست متوافرة، فالكثير من الأمور ليست حاضرة كما أنها لا تخدم مسار أي معركة، في حين أنّ ما يقوم به “حزب الله” من تكتيكات ميدانية يدفعُ إسرائيل يومياً وفي كلّ لحظة لإعادة النظر بخطوة شنّ معركة شاملة ومفتوحة.
لماذا الحرب مُؤجلة؟
الحديث عن إكتمال عناصر “هدنة غزة” يعتبر أمراً أساسياً للبناء عليه، وفي حال تم ضمان هذا الأمر حالياً، عندها يمكن الحديث عن وضع جبهة لبنان بشكلٍ منفصل إن أقدمت إسرائيل فعلاً على فصل لبنان عن غزة من حيث واقع الجبهات.
في قراءة تحليليّة لمضمون التقارير الإسرائيلية عن جبهة لبنان والواقع المرتبط بها، تبرز هناك تناقضات كثيرة بين ما هو مُعلن وما هو مُضمر. فبكل بساطة، ما يقوله رؤساء المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان يسير الى عدم وجود قرارٍ واضح لدى الحكومة الإسرائيليّة بشأن الحل الخاص بجبهة لبنان، فيما يقول آخرون إن أصحاب القرار في تل أبيب يعيشون في وادٍ بينما المستوطنات في وادٍ آخر، وكأنّه لا حرب دائرة عند الجبهة الشمالية.
في المقابل، يخرج القادة العسكريون الإسرائيليون بتهديدات علنية وآخرهم وزير الدفاع يوآف غالانت قال مؤخراً إن استمرار هجمات “حزب الله” ضد إسرائيل يُقرّب الأخيرة من العمل العسكري.. ولكن، إلى أي مدى إسرائيل حاضرة حقاً؟
في المقابل، يخرج القادة العسكريون الإسرائيليون بتهديدات علنية وآخرهم وزير الدفاع يوآف غالانت قال مؤخراً إن استمرار هجمات “حزب الله” ضد إسرائيل يُقرّب الأخيرة من العمل العسكري.. ولكن، إلى أي مدى إسرائيل حاضرة حقاً؟
ما تُبينه التقارير الإسرائيلية أن الجنود الموجودين عند الحدود مع لبنان ما زالوا يخشون سيناريوهات “تسلل حزب الله” إلى الداخل الإسرائيلي، فيما يعيشون وضعاً غير سهلٍ يقولون إنه مرتبط بـ”حالة دفاعية وليست هجومية”. إذاً، المسألة هنا توضح أن الجيش الإسرائيلي ما زال خاضعاً للمرحلة الدفاعية، لكن تبدل هذا الأمر لن يكون سهلاً طالما أن التقارير تتحدث عن “رعب” يصنعه “حزب الله” للجنود، في حين يُقال أيضاً إن مسألة إقتحام الجليل قائمة ومطروحة بشدة ولا خطط واضحة بشأن التعامل معها.
أضف إلى ذلك، فإن الإستعدادات للحرب في الجبهة الداخلية لإسرائيل ليست مكتملة حتى الآن، فيما سرت انتقادات كثيرة ترتبطُ بوضع الملاجئ وغيرها، بينما يتحدث محللون إسرائيليون باستمرار عن إمكانية حصول “تزعزع” كبير على صعيد كافة الخدمات طالما أنه لا بدائل متوافرة بشكلٍ كبير في الميدان الإسرائيلي.
كل ذلك، هو خلاصة التقارير الإسرائيلية المرتبطة بلبنان.. ولكن، ماذا عن الجانب العسكري؟ حالياً، فإن إسرائيل تعتمد التهويل بشأن شن عملية عسكرية مع لبنان مع اقتراب انتهاء محادثات هدنة غزة وذلك لجعل الجبهتين تتلازمان معاً إلى حد بعيد للوصول إلى “الإنتهاء المطلوب”. إلا أنه في الوقت نفسه، فإن إسرائيل قد ترى أن الشروط في لبنان أصعب بكثير من غزة، لهذا السبب تسعى لرفع سقف التحدي لأنها تريد التهدئة اليوم قبل الغد، باعتبار أن ضربات “حزب الله”، وباعتراف المحللين الإسرائيليين، ستكون أقوى بمئات المرات من هجمات “حماس”.
مع هذا، فإن إسرائيل ما زالت تتحدث عن ظروف الطقس القاسية، فأجواء الجنوب وتحديداً المرتفعات الجبلية ما زالت مغطاة بالضباب. وعملياً، وعلى مدى الفترة الماضية، كان هناك حديثٌ مباشر عن أنّ هذا الضباب يمثل جدار حماية للجنود الإسرائيليين بغية “الإختباء” من جنود “حزب الله”.. فكيف يمكن أن تُخاض المعارك وسط الإعلان بشكلٍ صريح عن هذا الأمر؟
إن كانت إسرائيل تريدُ حقاً خوض حرب ضد لبنان، فهي تنتظرُ أمرين أساسيين: الأول وهو هدوء الطقس وتحديداً خلال الصيف، فيما الثاني هو إنتهاء حرب غزة ومقاربة السيناريو الجديد الذي سيفرضه “حزب الله”. حتماً، قد يلتزم بشكل كبير بالهدنة، لكن استمرار العمليات الإسرائيلية الاستفزازية للبنان قد يعني إستمرار المعارك، ولكن في إطار آخر قد يختاره الحزب، ويعتمد ذلك على “تكتيك” ساد سابقاً في مطلع المعارك، وهو أن الحزب وفي حال أراد تنفيذ عمليات قد يختار مناطق متنازع عليها أو محتلة لضرب المواقع الإسرائيلية فيها، وهو السيناريو الذي بدأ الحزب خلاله معاركه ضد العدو الإسرائيلي. السيناريو هذا وارد تماماً ولا يمكن إغفاله، ومن الممكن أن يكون مرتبطاً بـ”تضييق الإشتباك” وعدم تعميقه، الأمر الذي يحشر إسرائيل مُجدداً في الزاوية مثلما يحصل معها حالياً.. فما الذي يمنع ذلك؟ كل شيء وارد في الميدان والمفاجآت قد تكون مخالفة لكل التوقعات…