التّهديدات الإسرائيلية الأخيرة بشنّ حرب ضد لبنان لم تعد مرتبطة فقط بـ”ردع حزب الله”، بل الأمور باتت أصعب وأكثر من ذلك. الهدف الذي تريده تل أبيب حالياً يتمحور في “إنهاء حزب الله” أو أقله إبعاده عن الحدود وذلك لنواحٍ أمنية تتصل بأمن المستوطنات الإسرائيلية بالدرجة الأولى.
في تصريحٍ له مؤخراً، يقول رئيس مستوطنة شلومي الإسرائيلية المحاذية للبنان غابي نعمان إنه “يجب تدمير حزب الله قبل أن يُدمر إسرائيل”، ويضيف: “على الأرجح، تحتاج إسرائيل 30 يوماً من القتال ضدّ حزب الله حتى ينتصر الجيش الإسرائيلي”.. ولكن، هل هذا ممكن فعلياً؟
ما يقوله نعمان لا يمكن أن يتوافق مع مضمون الميدان، فحرب تموز 2006 التي استمرت 33 يوماً انتهت من دون تحقيق إسرائيل هدفها المُعلن والمتمثل بـ”إنهاء حزب الله”. حينها، كانت الوسائل العسكرية تختلف تماماً عما هي اليوم، في حين أن التقنيات المستخدمة في القتال والحرب الإستخباراتية تطورت مئات المرات سواء لدى الجيش الإسرائيلي أو حتى “حزب الله”.
عملياً، إذا أرادت إسرائيل ضرب “بنية حزب الله” الفعلية، فإنها يجب أن تتكمن أولاً من إستهداف بنيته الصاروخية. حتى الآن ومنذ اندلاع المواجهات على جبهة لبنان في 8 تشرين الأول الماضي، لم يعلن الإسرائيليون صراحة وبشكل واضح عن إستهداف منصات صاروخية أساسية. في بعض الأنباء، قيل أنه تمّ ضرب بعضها لكن ما من إثباتات على ذلك، ما يشير إلى أنّ الكلام الإسرائيلي يبقى في الإطار العام ومن دون أي دليل ملموسٍ ميدانياً.
ثانياً، تحتاج عملية “إنهاء حزب الله” إلى كشف مواقعه في الميدان، لكن الأمر صعب جداً خصوصاً أنّ الطبيعة الجغرافية لجنوب لبنان تجعلُ من قدرة الجيش الإسرائيلي على ضرب كافة تحصينات “حزب الله” العسكرية أمراً شبه مستحيل. السبب الأول هو أنّ تلك المواقع موجودة ضمن الجبال والأودية، في حين أن بعضها تم استحداثه تحت الأرض، فيما هناك أنفاق لا يمكن الوصول إليها بسهولة حتى ضمن الغزو البري، في حال حصوله. وبالتالي، فإنّ مسألة تدمير قواعد الحزب بشكل سريع ليسَ وارداً من الناحية التطبيقية سواء عند الحدود أو في عُمق الجنوب.
إستخباراتياً، تسعى إسرائيل حالياً لكشف مواقع الأسلحة الصاروخية التي يمتلكها الحزب. خلال الفترات الماضية، تم الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن أماكن توزيع تلك الأسلحة فقيلَ أن أغلبها موجود في الجنوب وضمن المنازل والقرى، فيما أشير أيضاً إلى أن نسبة كبيرة من تلك الصواريخ موزعة خارج الجنوب، وتحديداً في البقاع حيث توجد مخازن ضخمة للحزب.
فعلياً، فإن أي معركة ضد “حزب الله” تحتاجُ إلى إستهداف كل هذه الصواريخ أو على الأقل مخازنها.. ولكن، هل بإستطاعة إسرائيل ذلك؟ في الواقع، لدى إسرائيل بنك أهدافٍ بشأن مواقع ومخابئ “حزب الله” المخصصة للصواريخ، وهنا يمكن القول إنه من الممكن جداً أن تكون هناك معلومات كثيرة لدى تل أبيب عن مواقع تلك الأسلحة والصواريخ.. لكن السؤال الأهم: هل يمكن إستهدافها مباشرة فوراً؟
مصادر معنيّة بالشؤون العسكرية استبعدت هذا الأمر وقالت لـ”لبنان24″ إنّ الحزب سعى خلال السنوات الماضية إلى توزيع أسلحته وصواريخه في مناطق مختلفة من دون حصرها في مكانٍ واحد، وأضافت: “هذه الإستراتجية التوسعية قائمة على أسس مهمة أولها أن القدرة الصاروخية للحزب لن تكون محصورة ومعرضة بأكملها للإستهداف، في حين أنّ المخازن المستخدمة ليست عادية أو مكشوفة، وبالتالي فإنّ أمر الوصول إليها سيكون صعباً أولاً من الناحية اللوجستية والميدانية والعملانية”.
وتكشف معلومات “لبنان24” أن المعامل المملوكة من الحزب والتي تعمل على تطوير وتحسين صواريخه باستمرار، ما زالت ناشطة بشكلٍ كبير حالياً، كما أنها تعمل في الوقت ذاته على فحص جودة وكفاءة كل صاروخ يجري استخدامه في الوقت الراهن.
بحسب المعلومات، فإن الخبراء المعنيين داخل الحزب يعملون بالتوازي مع “عمليات الميدان”، كما أن عمليات نقل الصواريخ من المخازن إلى المناطق الحدودية تجري في إطار سري جداً وضمن مناطق غير مكشوفة ومن خلال وسائل نقلٍ أسسها الحزب وجعلها مموهة تماماً تجنباً لإستهدافها من قبل الطائرات الإسرائيلية المسيّرة. عن هذه النقطة، تقول المصادر العسكرية إنه حتى الآن، لم يتحدث الإسرائيليون عن ضرب قافلة أو شحنة تنقل الأسلحة بين المناطق اللبنانية، مشيرة إلى أن هذا الأمر يعتبر هدفاً مطلوباً بالنسبة للإسرائيليين، لكن إمكانية تحقيقه تواجه صعوباتٍ جمة.
على المقلب الإسرائيليّ، يمكن لمس أن المستوى العسكري معرض للإستهداف بشكلٍ أكبر، فالدبابات مكشوفة كما أن المواقع موجودة وظاهرة، في حين أنّ الوسائل القتالية والإستخباراتية والتجسسية التي يستخدمها العدو واضحة ويمكن رصدها بسهولة. ولهذا، فإنّ الخسائر التي يمكن أن تطال إسرائيل خلال أي حرب ضد لبنان ستكون كبيرة وتكلفتها باهظة.
أسلوب جديد
وسط كل ذلك، ما يظهر هو أن إسرائيل باتت حالياً تعتمدُ أسلوباً جديداً للمواجهة يرتبط مباشرة بـ”حرب العصابات”. المسألة هذه تثير قلقاً لدى تل أبيب خصوصاً أن “حزب الله” يعتمد هذا التكتيك في مواجهاته، بينما الأمر قد لا يكون قائماً لدى جيش نظاميّ كالجيش الإسرائيلي.
إنطلاقاً من هذا الأمر، بدأ الإسرائيليون يروّجون لوحدات قتالية مُتخصصة لمواجهة “حزب الله” أبرزها وحدة “ماجلان” الإحتياطية الإسرائيلية التي قيل أنها تعمل على مطاردة “حزب الله” عند الحدود. إضافة إلى ذلك، قيلَ أيضاً إنّ التحصينات التي يبنيها الجيش الإسرائيلي في بعض النقاط الجغرافية في عمق الجبال عند الحدود، هدفها تخفيض قدرة “حزب الله” على إستهداف من فيها.
وعليه، فإنّ المرحلة التي يعمل الجيش الإسرائيلي على أساسها الآن ترتبطُ بـ”محاكاة أسلوب حزب الله” المعتمد ميدانياً تحقيقاً لـ”تكافؤ” في أماكن معينة، وتكريساً لمستوى قتاليّ مشابه لذاك الذي ينشط “حزب الله” على أساسه، وذلك في حال حدوث أي حربٍ محتملة.