مقالات

الاحتباس الحراري :” تهديد عالمي عابر للحدود”

سالي مزيحم

تشهد الكرة الارضية اليوم موجة حر تاريخية يرجح انها ناتجة عن الاحتباس الحراري اذ يعتبر هذا العام الاكثر سخونة في العالم منذ “مئات ان لم يكن الاف السنين ” , فقد حصل يونيو\حزيران 2023 على لقب جديد و هو “يونيو الاكثر سخونة على الاطلاق ” وفقاً لتحليل درجة الحرارة العالمية التابع لوكالة الفضاء و الطيران الاميركية (ناسا) وعدة هيئات اخرى حول العالم, و في هذا الاطار دعا الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس الى اتخاذ اجراءات جذرية فورية تتعلق بالتغير المناخي مشيرًا الى انتهاء عصر “الاحتباس الحراري” و بدء “عصر الغليان العالمي”.

لا شك ان النشاط البشري هو السبب الرئيسي وراء هذه المشكلة العالمية ,حيث كشفت دراسة بريطانية جديدة ان النشاط البشري يغير مناخ الارض بسرعة تبلغ 170 مرة اكثر من التغيرات الطبيعية , هذا ما اطلق عليه الباحثون “معادلة الانثروبوسين” و الانثروبوسين هو الاسم الذي يطلق على عصر جيولوجي جديد أي عصر تأثير الإنسان، نسبة إلى التأثيرات الهائلة للبشر، التي تسببت في تغيير طبيعة الأرض، بما في ذلك الرواسب الناتجة عن التغيرات المناخية، والملوثات الكيميائية ، ونواتج التجارب الكيميائية

و في السياق عينه ,حذرت المنظمة العالمية للارصاد الجوية من تزايد احتمالات ارتفاع حرارة كوكب الارض بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية ولو لفترة وجيزة, بحلول عام 2026\ 2027 ، تتزايد فرص تخطي الحاجز بسبب الانبعاثات الحرارية الناجمة عن الانشطة البشرية و نمط الطقس المحتمل ان تخلفه ظاهرة “النينيو” و هي ظاهرة طبيعية تحدث في المحيط الهادئ الاستوائي و تتسم بارتفاع درجة حرارة سطح المياه في المحيط و متوسط درجة الحرارة العالمية .

في ظل هذه الموجات الحرارية التهمت الحرائق الضخمة في كندا اكثر من10 ملايين هكتار من الغابات هذا العام و هي مساحة غير مسبوقة في تاريخ البلاد كما تشهد تونس ارتفاع بدرجة الحرارة الى 50 درجة بزيادة تراوحت بين 6 و 10 درجات عن المعدل الموسمي وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية التي اشارت الى ان موجة الحر تسببت في انقطاع الكهرباء ودفعت عائلات من احياء شعبية تفتقر منازلهم للمكيفات الى النوم على الشواطئ ،اما في اليونان و خارج الوطن العربي لم يكن الوضع احسن فقد ادت حرائق الغابات بدورها الى اجلاء اكثر من 32 الف سائح من جزيرة رودوس” اليونانية ”

و بحسب الخبراء فان الجهود المبذولة لحماية المناخ حتى الان هي اقل تماما من ان تكون كافية للحد من ظاهرة الاحتباس على النحو المستهدف، اذ فشلوا قادة العالم الذين قد تعهدوا بموجب اتفاقية باريس عام 2015 بمنع تخطي عتبة 1.5 درجة مئوية على المدى الطويل اي بخفض الانبعاثات الغازية المسببة للتغير المناخي ، و من شان الانشطة والسياسات الحالية ان تضع العالم على مسار ارتفاع درجات حرارة الارض بنحو 3.2 درجة بحلول نهاية القرن

اثار تغير المناخ :

تؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الجليد في القطبين، مما يحدث ارتفاعاً في مستوى سطح البحر , فتصبح العديد من البلدان الساحلية عرضة للغمر. كما يتسبب تغير المناخ ايضا في تقلبات في نظام المطر وزيادة التطرف في درجات الحرارة، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي والأشجار المثمرة ونظم إنتاج الغذاء فهناك العديد من البلدان تعتمد على الزراعة كمورد أساسي للطعام والدخل، ولذلك فإن تأثيرات تغير المناخ تشكل تحديًا كبيرًا للأمن الغذائي , اضافة الى ذلك يزيد تغير المناخ من خطر انتقال الامراض المعدية و انتشارها بما في ذلك الحمى النقالة و الملاريا و امراض الجهاز التنفسي .

و في تقرير عن تاثير التغيرات المناخية على البشرية اشارت وكالة “فرانس برس ” الى ان نحو 166 مليون شخص في افريقيا و اميركا الوسطى احتاجوا الى المساعدة بين عامي 2015 و 2019 بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ و هناك ما يقارب 80 مليون شخص من المرجح ان يكونوا عرضة لخطر المجاعة بحلول عام 2050 اما فيما يتصل بسوء التغذية فان نحو 1.4 مليون طفل سيعانون من التقزم الشديد في افريقيا بسبب المناخ ايضا في عام 2050 و في سياق معرفة العلاقة بين الاحتباس الحراري و حدوث الزلازل دعا علماء الى اجراء دراسة واسعة لتحديد ما اذا كان ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالاحتباس الحراري يمكن ان يؤدي الى تزايد ثوران البراكين والزلازل والانزلاقات الأرضية والموجات الأرضية وتسونامي

لذلك يقول الخبراء إن ارتفاع حرارة الأرض يمكن أن ينجم عنه مخاطر جيولوجية مثل الزلازل بسبب الطريقة التي يمكن أن يحرّك بها أحجامًا كبيرة من الكتلة الأرضية على سطح الكوكب، فإن ذوبان الكتل الثلجية الضخمة وارتفاع مستوى سطح البحر يؤديان إلى توزيع كميات هائلة من الماء، ما ينجم عنه تنفيس الضغط وزيادته عبر باطن الأرض، ومثل هذه التغيرات في الضغط يمكن أن تزيد من احتمالات التصدع والتحولات الزلزالية .

استدامة الكوكب بين ايدينا ؛

أحد الأهداف المناخية المهمة يتمثل في الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. ويفيد التقرير بأن تحقيق ذلك يتطلب خفضا كبيراً وسريعاً ودائماً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في جميع القطاعات خلال العقد الحالي. ويتعين خفض الانبعاثات الآن وتقليصها إلى النصف تقريبا بحلول عام 2030

و الحل الذي اقترحته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هو “التنمية المقاومة للمناخ” التي تتضمن دمج تدابير التكيف مع تغير المناخ مع إجراءات تقليل أو تجنب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بطرق توفر فوائد أوسع ، وتشمل الأمثلة على ذلك توفير الطاقة النظيفة، والكهرباء منخفضة الكربون، وتعزيز النقل المنعدم والمنخفض الكربون، وتحسين جودة الهواء. قيمة الفوائد الاقتصادية التي ستعود على صحة الناس بسبب تحسين جودة الهواء ستعادل أو تفوق التكلفة التي ستُدفع في سبيل تقليل أو تجنب الانبعاثات

وقال كريستوفر تريسوس أحد واضعي التقرير: “أكبر المكاسب لرفاه الناس يمكن أن تنجم عن إعطاء الأولوية للحد من مخاطر المناخ في المجتمعات منخفضة الدخل والمهمشة، بما في ذلك بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات غير رسمية (عشوائية). ولن يتحقق العمل المناخي المتسارع إلا إذا زاد التمويل في هذا المجال أضعافا مضاعفة. التمويل غير الكافي يعيق التقدم

كما اعلن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش عن خطة لتعزيز الجهود المبذولة لتحقيق ميثاق” التضامن المناخي” من خلال اجندة لتسريع العمل التي تدعو الى انهاء استخدام الفحم و توليد الكهرباء منعدمة الكربون بحلول عام 2040 و البلدان النامية في اقرب وقت ممكن من عام 2050 .

ان العمل على هذه الحلول يتطلب جهودا مشتركة من الافراد و المجتمعات و الحكومات ففي الدانمارك تحولت جزيرة” شامسو” الى مجتمعاً مستداماً بالكامل من خلال استخدام الطاقة المتجددة فتم تركيب توربينات الرياح و تثبيت الالواح الشمسية ,اما على صعيد الشركات تعتبر شركة “باتاغونيا” في صدارة الشركات الراغبة في حماية البيئة اذ تستخدم مواد معاد تدويرها و تهتم بتصنيع منتجات ذات جودة عالية تدوم طويلا بدلا من الترويج للتخلص السريع ……

من الضروري أن تتحد الأمم والمنظمات الدولية لتبني سياسات مستدامة وتعاونية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة وتعزيز الطاقة المتجددة والتكنولوجيات البديلة. و على الحكومات والشركات والأفراد المساهمة بجهودهم الفردية في تعزيز الوعي بأهمية المحافظة على البيئة واتخاذ التدابير اللازمة للحد من تأثيرات الاحتباس الحراري فإعطاء الأولوية لتلك القضية قد يساهم في تحقيق نتائج إيجابية في المستقبل.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى