أخبار محلية

المصارف وجّهت مذكرة ربط النزاع الى جهة غير صالحة: هل يتحمل مصرف لبنان المسؤولية؟

لجأ عدد من المصارف عبر مذكرة ربط نزاع مع الدولة ومن خلالها مع مصرف لبنان الى تعطيل أي اقتراح يمكن أن تطرحه الحكومة لحل مشكلة المصارف والمودعين.

 

وكانت جمعية المصارف قد أعلنت ، في بيان، أنّ أحد عشر مصرفًا لبنانيًا رفعوا إلى وزارة المال، مذكرة ربط نزاع، بواسطة المحاميين ايلي اميل شمعون وأكرم عازوري، طالبت الدولة اللبنانية بتسديد ديونها والتزاماتها الى مصرف لبنان لكي يتمكّن الاخير من تسديد التزاماته الى المصارف اللبنانية، لتتمكّن بدورها من اعادة اموال المودعين. وارتكزت المذكرة في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته” ألفاريز آند مارسال”، وعلى التدقيق المحاسبي الذي أصدرته “أوليفر وايمن”، بناء على طلب الدولة اللبنانية.

 

في المبدأ فإن ربط النزاع هو إجراء قانوني يسبق اللجوء الى الإجراءات القضائية فهل تريد المصارف مقاضاة الدولة او مقاضاة مصرف لبنان؟

ان مذكرة ربط النزاع التي قدمت من قبل 11 مصارف وهي (البنك اللبناني السويسري، البنك اللبناني الفرنسي، بنك الاعتماد اللبناني ، بنك البحر المتوسّط، بنك بيبلوس، بنك بيروت، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك عودة، بنك لبنان والمهجر، فرنسبنك، بنك سوسيتيه جنرال) هي بحسب ما يؤكد رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ المحامي الدكتور بول مرقص لـ”لبنان24″، بوجه الدولة وليس بوجه المصرف المركزي باعتبار أنّه يقع على الدولة اللبنانية تطبيقا للمادة 113 من قانون النقد والتسليف موجب تغطية قيمة الخسائر الظاهرة في ميزانية مصرف لبنان المصحّحة والبالغة عن سنة 2020 ما قدره 51,302,155,887 د.أ. إضافة الى أنّه تنفيذا لاحكام المادة 113 من قانون النقد والتسليف بأن تغطي كامل الخسارة التي تسببت بها لمصرف لبنان . ففي المذكرة المذكورة لم تطالب المصارف بحقّها في ذمّة مصرف لبنان كونها أودعت لديه دينا بل هي وجهت ربط النزاع الى جانب وزارة المال كما وطالبت هذه المصارف بتفعيل مبدأ الحلول امام مجلس شورى الدولة لتحصيل حقوق المركزي من الدولة .

إنّ السند القانوني لمذكرة ربط النزاع الراهنة، بحسب مرقص، هي المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي نصت على أنّه :” يحق للدائنين أن يستعملوا باسم مديونهم جميع الحقوق وان يقيموا جميع الدعاوي المختصة به ما خلا الحقوق والدعاوي المتعلقة بشخصه دون سواه ولا سيما الحقوق والدعاوي التي يخرج موضوعها عن دائرة ارتهانهم. غير أنّهم لا يستطيعون أن يتذرعوا بهذا الامتياز ليقوموا مقامه في إدارة مملوكه فهو يبقى متسلما زمام ادارته بالرغم من سوء حالة اشغاله. ويجوز للدائنين أن يداعوا مباشرة عن مديونهم بدون أن يجروا مقدما اية معاملة للحلول محله في الحقوق والدعاوي المختصة به وان كانوا لا يملكون سندا تنفيذيا. ولكنهم لا يستطيعون الشروع في تلك المداعاة الا اذا كان دينهم مستحق الاداء. وتكون نتائج الدعوى مشتركة بين جميع الدائنين بدون ان يترتب للدائن الذي شرع في الدعوى امتياز ما على الآخرين .” فهذه المذكّرة تقوم على تحميل المسؤولية للدولة بسبب دين عالق بذمّتها لصالح مصرف لبنان . وبالتالي لا بدّ من الاشارة الى أنّه للّجوء إلى المراجعة الشاملة في القضاء، يجب على الإدارة (الدولة) إصدار قرار صريح أو ضمني لتحديد المسؤولية .

لقد جرى التركيز في المذكرة،على أن المصارف المستدعية هي دائنة لمصرف لبنان ومتضررة من عدم مطالبة هذا الاخير الدولة اللبنانية :

1- بأن تسدّد له المبالغ التي استدانتها منه .

2- – بأن تغطي كامل الخسائر التي تظهر في عجز ميزانيته بعد ان تم تصحيحها بموجب تقرير Alvarez & Marsel .

ويقول مرقص: على الرغم من ذلك توجهوا بهذه المذكّرة من جانب وزارة المالية وذلك لإلزام الدولة اللبنانية بتنفيذ موجباتها القانونية والتعاقدية تجاه مصرف لبنان, فيما لا شخصية معنوية لوزارة المال التي في مطلق الأحوال لا سلطة لها مباشرة على مصرف لبنان، وذلك لمطالبة الدولة التسديد الفوري الى مصرف لبنان للمبالغ المستحقة بذمّتها تجاهه. علما أنّ المصرف مستقل، إلّا انّه رغم ذلك جرى تحميل الوزارة تصحيح ميزانية مصرف لبنان عن سنوات 2021 و 2022 ، عن طريق اعتماد معايير وقواعد التصحيح التي أوردتها تقرير Alvarez & Marsal في الصفحتين 114 و115 منه وتحديد قيمة العجز الاضافي المترتب عن سنتي 2021 و 2022 والزام الدولة اللبنانية تسديد موجباتها القانونية والتعاقدية تحت طائلة مراجعة القضاء الإداري .

تضمّنت المذكّرة أنّ المسؤولية تنبع من دين الدولة، ولم يتم ربط مسؤوليّة المصرف المركزي بالتكافل والتضامن( وهذا ما كان يجب ان يحدث ). ويقول مرقص اجتهادات عدة صادرة عن مجلس الشورى تشير إلى أنه حتى في حالة توجيه المذكرة إلى جهة غير صالحة، يجب على الدولة، انطلاقا من موجب حسن النية، تحويل النزاع إلى الجهة الصالحة، المتمثلة بمصرف لبنان. ولكن واستطرادا سؤال يطرح نفسه فيما اذا كان المصرف جزءًا من الدولة ؟! ولا بد من التساؤل حول ما اذا كانت المصارف مستعدّة لدفع الرسوم على المبالغ الواردة في مذكرة ربط النزاع، فهناك رسم نسبي لصندوق تعاضد القضاة واذا لم تدفع ترد المراجعة شكلا.
حتى ولو كان هناك حسن نية في تقديم هذه المذكرة ولكن عندما تتم مطالبة الدولة بدين في ذمة المصرف المركزي، يتم ، بحسب مرقص، تعريض مصرف لبنان للمسؤولية بشكل غير مباشر , فمخاطر هذا الامر إفساح المجال لسائر الدائنين والصناديق التي قامت بإقراض الدولة أن تلجأ للسعي الى الحجز على المؤسّسات التابعة للمصرف المركزي ومنها ما يعود لشركة انترا وطيران الشرق الاوسط وسواها . والحل البنيوي يأتي برأي مرقص، بالتعاون بين الحكومة و مجلس النواب بموجب قانون واضح وصريح .

من الناحية الاقتصادية والمالية، يرى الاستاذ الجامعي بلال علامة لـ”لبنان 24 أن المذكرة المذكورة تعتبر خطوة هجومية من قبل أحد عشر مصرفاً أعلنوا الحرب على أية حلول في المستقبل، إذ أن ربط النزاع هو إعلان الإشكال مستقبلاً في حال أقدمت السلطة بشقيها التنفيذي أو التشريعي على إصدار أية حلول ممكنة لمعضلة المصارف والمودعين وعلاقة المصارف مع مصرف لبنان والدولة. ومن الخطأ اعتبار المصارف أنها قامت بتسليف المصرف المركزي بينما الحقيقة أنها خالفت كل القوانين عندما تخطت مركزية المخاطر وحدود الإقراض وأقدمت على إيداع الاموال في مصرف لبنان بفوائد خيالية.

لقد استندت المذكرة الى تقرير التدقيق الجنائي الذي تم في حسابات مصرف لبنان من قبل “شركة الفاريز & مارسال” والذي يعتبر، وفق قراءة علامة، تقريراً غير صالح للإجراءات القضائية كونه يحمل توصيات ومقترحات أكثر بكثير مما يحمل تحديد مسؤوليات وإدانات ،ناهيك عن أصل الإتفاق المتعلق بتكليف “شركة ألفاريز & مارسال” بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المتضمن أصلاً شرط عدم صلاحيته للإستعمال القضائي.

من الواضح أن خطوة المصارف قد لا تأتي، بحسب علامة، بنتائج تذكر مع بطء الإصلاحات، التي من المفترض أن تقوم بها السلطة في لبنان وخاصة مشروع قانون ال”كابيتال كونترول” ومشروع “هيكلة القطاع المصرفي”، والقلق يكمن من العجز عن تحقيق اختراق في جدار ملف الودائع بينما يتحول الاقتصاد إلى الدولرة بفعل انهيار الليرة.

ما خلصت اليه المذكرة من عدم وجود أية مسؤولية للمصارف وتحوير الأساس القانوني لتعامل المصارف مع المودعين، لا بد من التوقف عنه، يقول علامة، فالمصارف تصبح بعد إستلامها الودائع من اصحابها،مالكة للودائع ويقع عليها غنم وغرم استعمالها وتوظيفها مقابل فوائد محددة تدفعها وأصل الوديعة بالتواريخ المتفق عليها مع صاحبها. وتتحدث المذكرة عن الودائع وكأنها محكومة بأنموذج خاص من عقود إدارة الحسابات أو العقود الائتمانية يكون بمقتضاها على المودعين، لا المصارف، تحمّل تداعيات العقود التي تبرمها إدارات الأخيرة. والمقصود هنا طبعاً الآثار الخاسرة لهذه العقود بنظر المصارف، لا المربحة منها. وهذا طبعاً غير صحيح وغير سليم ، إذ تبقى المصارف ملزمة برد الودائع التي تلقتها ومتمماتها الى أصحابها بغض النظر عن نتائج إستعمالاتها وتوظيفاتها لهذه الودائع، ومنها عدم قيام الدولة ومصرف لبنان برد المتوجب عليهما لها اي للمصارف.

ويبدو، بحسب علامة، أن هناك محاولة لتقاسم الادوار لجهة اعتبار مصرف لبنان مسؤولا عن كل الخلل الذي حصل في وقت لا يمكن تحميله أية مسؤولية فعلية لما حصل إلا بالحدود التي ينص عليها قانون النقد والتسليف.

 

هتام دهام /لبنان24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى