أخبار محلية

تقرير اقتصادي لبنك عودة….اليكم ما تضمنه

صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الفصل الثالث من العام 2023 بعنوان “في سبيل احتواء الأزمة ونقل الاقتصاد نحو برّ الأمان”، والذي جاء فيه أنّه مع بداية الفصل الرابع من العام 2023، اندلع صراع عسكري غير مسبوق في المنطقة والذي نجم عنه خسائر بشرية جسيمة وسط احتمالات بأن يكون له ارتدادات على منطقة الشرق الأدنى بشكل عام.

إنّ أي توسّع للصراع نحو الأراضي اللبنانية يمكن ان يترتّب عنه خسائر اقتصادية جسيمة وتداعيات سلبية لافتة على الأوضاع المالية والنقدية الداخلية. إذ من المرجّح أن يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الحالي والناتج المحتمل تحقيقه والتي تبلغ في الوقت الراهن نحو 70%، إضافة إلى تفاقم التضخم الذي وصل حالياً إلى نحو 250%، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والتي تتجاوز اليوم عتبة الـ80% و30% على التوالي، وتآكل العملة الوطنية والقدرة الشرائية لدى الأسر بشكل عام.

فبخلاف الصراع الذي حدث في تموز 2006، فإنّ آفاق الاقتصاد اللبناني واهنة اليوم، والأزمات السياسية الداخلية مستمرة دون حلول جدية مطروحة، كما أنّ العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن لا تشير إلى إمكانية ضخ الأموال من أجل إعادة الإعمار. ناهيك عن أنّ أي تمدّد للصراع يمكن أن يؤثر على آفاق التنقيب عن الغاز والتي يعوّل عليها لبنان من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية في المستقبل. يبحث هذا التقرير في الأوضاع الاقتصادية والنقدية والمالية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2023، أي قبيل اندلاع الأحداث الأمنية الأخيرة.

على الرغم من استمرار حال المراوحة السياسية الراهنة والتي تشهد تأجيلاً مستمراً للانتخابات الرئاسية اللبنانية، واقتصار اجتماعات الحكومة على الحالات الطارئة، وشلل المسار التشريعي في مجلس النواب، كان الاقتصاد الحقيقي قد استطاع أن يسجل تحسناً نسبياً في أداءه هذا العام، ولا سيما خلال الصيف مع توافد أعداد لافتة من المغتربين اللبنانيين والسياح. فالإنفاق الاستهلاكي يسجّل نمواً كما يستدل من خلال زيادة البضائع بالأطنان في مرفأ بيروت بنسبة 2% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2023. أما المجاميع الاستثمارية فلا تزال ضعيفة في ظل الغموض السياسي-الاقتصادي اللافت على الساحة الداخلية والذي نتج عنه تأجيل أو إلغاء لمبادرات استثمارية بارزة.

على صعيد القطاع الخارجي، تقلصت الصادرات بنسبة 24% سنوياً، من 2.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022 إلى 1.6 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2023.

مع أن قيمة الواردات انخفضت من 10.8 مليار دولار أميركي في الأشهر السبعة الأولى من العام 2022 الى 9.8 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من العام 2023، إلاّ أن هذا الإنخفاض لا يعبّر عن تراجع في الاستهلاك الخاص. ذاك أن انخفاض الواردات عائد بصورة خاصة الى بابَيْن اثنين: السيارات والنفط. فاستيراد السيارات انخفض بقيمة 0.6 مليار دولار لأن وكلاء السيارات كانوا قد أجروا طلبيّات مفرطة قبل الرفع المتوقَّع لسعر الدولار الجمركي.

أما استيراد النفط، فتراجع بقيمة 0.6 مليار دولار لأن أسعار النفط انخفضت بنسبة 20% عن المستويات التي كانت قد بلغتها بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية. وإذا استثنينا هذين البابَيْن، نلاحظ أن أهم أبواب الاستيراد (أي المواد الغذائية، المشروبات، الملبوسات والمجوهرات إلخ…) زادت كلّها، تدليلاً على ارتفاع الاستهلاك الخاص.

إنّ تسجيل فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 1 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2023 على الرغم من تقلص الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان بقيمة 1.3 مليار دولار، إنما مردّه إلى نمو الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف بقيمة 2.4 مليار دولار

إلا أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ الأموال الوافدة زادت عن التحويلات إلى الخارج، لأنّ سيولة المصارف بالعملات الأجنبية لم تنمو سوى بشكل طفيف بقيمة 0.2 مليار دولار (من 4.2 مليار دولار إلى 4.4 مليار دولار).

بل أنّ الفائض في ميزان المدفوعات ناجم ذلك بشكل أساسي عن تراجع المطلوبات الخارجية لدى المصارف بمقدار 3 مليار دولار (خصوصاً ودائع غير المقيمين) في أعقاب تعديل سعر الصرف الرسمي مقابل الدولار من 1507.5 إلى 15000، ذلك أنّ قسماً من مطلوبات غير المقيمين مقوّمة بالليرة اللبنانية.

عليه، فإنّ الفائض في ميزان المدفوعات هذا العام هو مسألة حسابية لا غير ولا يعكس تدفقاً صافياً في الأموال. هذا وإذا اعتمدنا سعر صرف رسمي ثابت خلال الفترة، يكون ميزان المدفوعات قد سجّل عجزاً يقدّر بنحو 2 مليار دولار.

أما على صعيد القطاع المالي، فقد أقرت الحكومة مشروع موازنة العام 2024، وهي أول موازنة تقر في مهلها الدستورية منذ العام 2002. ولحظت الموازنة نفقات تقدر بنحو 301 ترليون ليرة مقابل إيرادات بقيمة 259 ترليون ليرة، ما نتج عنها عجزا مالياً يقدّر بنجو 42 ترليون ليرة، أي ما يعادل 464 مليون دولار (2.5% من الناتج المحلي الإجمالي و13.9% من النفقات). ولما كانت خدمة الدين تقدّر بنحو 15 ترليون ليرة، فإن موازنة العام 2024 تهدف إلى تسجيل عجزاً أولياً بقيمة 27 ترليون ليرة، أي ما يعادل 300 مليون دولار (1.7% من الناتج المحلي الإجمالي).

وعلى صعيد القطاع النقدي، أشاد صندوق النقد الدولي بالسياسة التي تنتهجها حاكمية مصرف لبنان الجديدة من ناحية عدم قبولها بتمويل الدولة والحفاظ على ما تبقى من احتياطيات من النقد الأجنبي. في موازاة ذلك، لا يزال التضخم عند مستويات مرتفعة على الرغم من الاستقرار النسبي في سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية خلال الأشهر الماضية. إذ تشير آخر الإحصاءات الصادرة عن مؤسسة البحوث والاستشارات بأنّ مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفع بنسبة 245% سنوياً في أيلول 2023 بالمقارنة مع أيلول 2022.
أما على صعيد القطاع المصرفي، فقد تقلصت ودائع الزبائن من 168.4 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 إلى 95.6 مليار دولار في نهاية آب 2023، أي بما نسبته 43%. إذ انخفضت الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية بنحو 31.4 مليار دولار خلال الفترة المغطاة لتبلغ زهاء 92.2 مليار دولار، بينما انخفضت الودائع المصرفية بالليرة بقيمة 16.4 ترليون ل.ل. لتبلغ زهاء51.1 تريليون ل.ل في نهاية آب 2023. عليه، ارتفعت دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 إلى 96.4% في آب 2023.

هذا وقد واصلت المصارف اللبنانية خفض رافعتها الاقتراضية منذ اندلاع الأزمة. إذ تراجعت محفظة التسليفات للقطاع الخاص من 54.2 مليار دولار إلى 8.9 مليار دولار، أي ما نسبته 83%. توازياً، تراجع المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية من 9.03% في نهاية تشرين الأول 2019 الى 0.41% في نهاية آب 2023، بينما انخفض المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالدولار من 6.61% الى 0.03% في الفترة ذاتها. هذا وقد نتجت الخسائر المصرفية الصافية عن تكاليف القطع الباهظة، وارتفاع الأعباء التشغيلية العائدة الى التضخّم الملحوظ، إضافة إلى متطلّبات رصد المؤونات التي تواجهها المصارف اللبنانية لجبه المخاطر السيادية ومخاطر القطاع الخاص بشكل عام.

وفي ما يخص أسواق الرساميل اللبنانية، واصلت سوق الأسهم مسلكها التصاعدي بعد سنتين متتاليتين من الارتفاعات الملحوظة في الأسعار. إذ قفز مؤشر الأسعار بنسبة 26.7% في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023، بعد نمو نسبته 37.2% في العام 2022، بدفع من زيادات في أسعار أسهم “سوليدير”. ويأتي ارتفاع الأسعار هذا العام في ظل زيادة سنوية في أحجام التداول بنسبة 10.7% لتبلغ زهاء 345 مليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام 2023. عليه، تراجع معدل دوران الأسهم (المحتسب على أساس قيمة التداول السنوي إلى الرسملة السوقية) من 3.1% إلى 2.5% خلال الفترة المغطاة.

وتطرّق “بنك عوده” في ملاحظاته الختامية إلى تقديم قراءة في التقرير الجديد لصندوق النقد الدولي تحت البند الرابع عن لبنان. إذ قال أنّ صندوق النقد الدولي أصدر في أواخر حزيران المنصرم تقرير من 80 صفحة تحت البند الرابع (Article IV) قدّم فيه تقييمه للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي والمصرفي الاجتماعي في لبنان. كما عرض رأيه في الحلول للخروج من الأزمة. والتقرير المفصّل هو الأول للصندوق منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، إذ ان آخر تقرير مماثل أصدره الصندوق، وللمفارقة، كان في 18 تشرين الأول 2019.
جاء تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي حول لبنان بنّاءً إلى حدّ لافت. فمن ناحية، قدّم التقرير وصفاً وافياً للأزمة ونتائجها، كما سلّط الضوء على المسؤوليات والتحديات بشكل مسؤول. من ناحية أخرى، طرح التقرير بشكل موضوعي متطلبات الخروج من الأزمة، ولا سيما من خلال توصياته بشأن السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات المصرفية المطلوبة.

وفي قراءة متأنية للتقرير نرى نقاط عديدة يجب على الافرقاء المعنيين من مكونات السلطة السياسية والسلطات التنفيذية والتشريعية والنقدية والقطاع الخاص تلقّفها للإجماع على رؤية موحدة للخروج من الأزمة، مع تحفظنا على نقاط اخرى في التقرير ومنها أرقام الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال.

أولًا، يعترف التقرير أن المنعطف الحيوي والمحور الأساسي لبدء تطبيق الخطة الإصلاحية هو القرار السياسي، إذ يوضح مدراء الصندوق في التقرير أنه في غياب القرار السياسي لن يكون هناك إمكانية لإقرار القوانين الإصلاحية في مجلس النواب او تطبيق الإجراءات الأخرى.

ثانيًا، لخّص صندوق النقد الدولي في تقريره الجديد، كما في بيانه المقتضب الذي أصدره في ايلول الماضي، السبيل التنفيذي للخروج من الأزمة، وهو التعاون والتنسيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والنقدية لتطبيق البرنامج الإصلاحي.

ثالثاً، اعتبر صندوق النقد أن شقّ الأزمة المتعلّق بالقطاع المصرفي هو أزمة نظامية، مما يعني أن قرارات خارجة عن نطاق المصارف انفراديًّا ساهمت في الأزمة.

رابعاً، قال الصندوق بشكل واضح ومباشر أن موجودات القطاع المالي في لبنان كانت تغطّي في العام 2017 معظم الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف التجارية.

خامساً، أوضح التقرير أسباب تراجع هذه التغطية، وحددها باستمرار دعم السلع والمواد المستوردة، وارتفاع النفقات العامة على سعر صرف تفضيلي للدولار الأميركي، وتدخل مصرف لبنان لدعم استقرار سعر الصرف الليرة اللبنانية.

سادساً، تضمّن التقرير مبدأ إنشاء صندوق استرداد الودائع مع بعض الشروط، منها إعادة تأهيل وحسن إدارة المؤسسات العامة ذات طابع تجاري، حيث كانت بعثة الصندوق تتحفّظ بشكل أو بآخر على هذه الفكرة سابقًا.

سابعاً، اقترح التقرير إعادة رسملة مصرف لبنان من خلال جزء من إيرادات المؤسسات العامة ذات طابع تجاري، وهنا بيت القصيد. إذ أن هذا القرار، لو اتخذته السلطات اللبنانية، سيؤدي إلى معادلة رابحة لجميع الأفرقاء.

لذلك، فإنّ هذه النقاط تشكل قواسم مشتركة يجب البناء عليها للوصول إلى رؤية موحدة وبرنامج يحظى ليس فقط على اجماع، بل على تبنّي مكونات السلطة السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والاغتراب اللبناني له. وقد يفتح صندوق النقد في تقريره الباب لهكذا اجماع وتبنّي، ويبقى على المكونات أعلاه تلقّف هذه الأفكار وترجمتها عمليًا ليستطيع لبنان رؤية الضوء في آخر النفق.

وينهي التقرير انه لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد يؤمن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان أكان من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة فيما بعد والتي لن تمد يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد.

في هذا السياق، إن من شأن ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي أن يكون المدخل لوضع حدًّ للأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ أربع سنوات وأن يضع البلاد على سكّة النمو الاقتصادي الإيجابي وأن يحد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسر اللبنانية بشكل عام.

لقراءة التقرير الكامل اضغط على الرابط التالي: tinyurl.com/2p8dxyuv

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى