
حاول أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في أحد خطاباته مصارحة جمهور الحزب والمقاومة حول ما حصل خلال الحرب، لكنه لم يفعل، ولم يُجب بصراحة على كثير من الأسئلة التي تتناقلها ألسن أبناء البيئة، فالنتيجة التي انتهت إليها الحرب لم تخطر على بال أحد، لا من المحبين ولا من المبغضين للمقاومة.
عندما تم اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري في الضاحية الجنوبية مطلع العام 2024، فتح حزب الله تحقيقاً مع أحياء لم تتمكن الغارة الإسرائيلية من قتلهم خلال تواجدهم في الشقة بسبب تأخرهم على الدخول إلى الغرفة التي كان فيها العاروري، وتمكن الحزب من الوصول إلى خلاصات أساسية تتعلق بضعف الحالة الأمنية التي كانت تُحيط بالعاروري الذي كان شخصيا لا يتردد في استخدام الهواتف بشكل دائم، واختياره الشقة التي تضم مكتباً معروفا للحركة، لم يكن مستخدماً منذ أشهر.
كان الرد على اغتيال العاروري عادياً، لم يمنع العدو الإسرائيلي من تكرار استهداف الضاحية، واغتيال “قائد جيش” حزب الله السيد فؤاد شكر، وبعدها حادثة البيجيرات وصولاً إلى اغتيال قيادة قوة الرضوان ومن بعدها السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
كل هذه الأحداث، طرحت تساؤلات كثيرة وعديدة، لم يتمكن حاملوها من إيجاد الإجابات الشافية لها في كلام مسؤولي حزب الله، حتى عندما حاول الشيخ قاسم مصارحة الجمهور، لذلك كان كلام المسؤول في حزب الله نواف الموسوي صادماً، فهو يُحاكي تساؤلات البيئة، خصوصاً بما يتعلق بالتقصير والقصور الذي تطرق إليه الموسوي.
الموسوي .. قصور وتقصير
لطالما كان نواف الموسوي عفوياً، صريحاً، مباشراً، تحدث عن حادثة البيجيرات بما يوحي وكأن “الأمن الوقائي” في الحزب لم يدقق بالبضاعة المستوردة، وهو ما يدحض معلومات سابقة نقلتها مصادر مقربة من الحزب بخصوص تفتيش البيجيرات وتمريرها على الآلات المخصصة للفحص، دون التمكن من اكتشاف التفخيخ خصوصاً بعد ما قاله رئيس الموساد ديفيد برنياع عن أن “كمية المتفجرات في آلاف الأجهزة مجتمعة لم تتجاوز كمية المتفجرات الموجودة في لغم واحد”.
وحسب مصادر مطلعة على ما قاله الموسوي، فإن الرجل لم يقل بأن الأجهزة لم تخضع للتفتيش ولكن بمجرد عدم اكتشاف الخلل فهذا يعني قصوراً بالتدقيق والعمل الأمني. ترى المصادر أن الموسوي لم يتحدث بشعبوية إنما بواقعية، علماً أنه لم يتدخل بتفاصيل النقاط الأمنية إنما تحدث بما هو واضح ومرئي ومعروف، فهل كان أمراً طبيعياً أن يكون السيد نصر الله في غرفة عملياته بعد ما حصل يوم الإثنين في 23 أيلول في لبنان، وبعدما تبين أن العدو يمتلك داتا معلومات كبير جدا ودقيقة جداً حول الكثير من “الأماكن”، وهل كان امراً طبيعياً أن يلجأ السيد هاشم صفي الدين إلى المكان المشابه لمكان اغتيال السيد نصر الله بعد اغتياله؟
بين التقبّل ورفض الواقع
لم يمرّ كلام الموسوي مرور الكرام في أوساط البيئة الشعبية للحزب والمقاومة، فهناك من أيّد كلامه واعتبره الكلام الواقعي الاول الذي يصدر عن قيادي بالحزب بعد الحرب، ويدلّ على ضرورة البدء بتقبل الواقع والتوصيف الدقيق للمشكلة كون ذلك يشكل الطريق الامثل للحل، وهناك من هاجم الموسوي ورفض كلامه معتبراً أنه يدل على قصور في الرؤية، وعبارة عن “تحليل مقاه” من رجل لا يفقه بالأمن والعسكر.
اعتبر المؤيدون أن الموسوي نطق بما تنطق به البيئة في كل مجالسها، فهناك أسئلة منطقية وأجوبتها بديهية، فهناك خرق بشري وقع في مكتب معين، أدى لتكون الضربات الأولى للإسرائيليين قاسية جداً على عكس ما كانت عليه عام 2006 يوم كان هناك خطّة من عماد مغنية اوهمت العدو أنه ضرب صواريخ المقاومة، وهناك خرق تقنيّ معين تسبب باغتيال الكثير من القادة، وهناك تقصير معين أدى لاغتيال قيادات في الضاحية، وهناك قصور معين أدى لنجاح عمليات كعملية البيجيرات، التي وبحسب المعلومات لم تحصل جراء خرق بشري بل تقصير بشريّ.
أما معارضو الموسوي فاعتبروا الرجل يسعى للإنتقام من فريق حيّده عن القيادة، وأبعده عن النيابة، لذلك كان يهاجم القيادات العسكرية المحيطة بالسيد نصر الله.
بين السرية الأمنية ومصارحة الجمهور
ليس عيباً أن نقول أن هناك خرقاً بشرياً أو عميلاً اسرائيلياً كان يعمل داخل الحزب، فهذا بحسب المصادر يندرج تحت عنوان مصارحة الناس، أما الغوص في مسألة الخرق البشري وتفاصيلها وتقنيات حصولها وحجم امتدادها فهذا يندرج تحت عنوان السرية الأمنية التي لا يُصارح الجمهور بها، مشيرة إلى أن الحزب معنيّ بمصارحة بيئة المقاومة بكل ما يمكن قوله تحت العنوان الأول ولا يؤثر على العنوان الثاني.
ترى المصادر أن من حق المحبّ أن يسأل لماذا تواجد السيد نصر الله في مكان كان يُفترض أن يعلم من حوله أنه مكشوف أمام الإسرائيلي، وهذا السؤال لم يصدر عن خائن لتخوينه، خصوصاً أن معلومات سابقة كانت كشفت أن “أمن السيد حذره من وجود نوايا اسرائيلية لاغتياله، لكن السيد كان يعتبر أن تداعيات الاغتيال ستشكل ردعاً للعدو”، فهل هذا سبب البقاء في ذلك المكان، علماً أن معلومات أخرى تؤكد ان السيد نصر الله كان يودع من حوله في أيامه الأخيرة لعلمه أن العدو سيستهدفه، فهذا هذا دقيق؟
من حق المحبّ أن يسأل، ومن واجب الحزب أن يسأل أيضاً نفس الأسئلة، والوصول إلى الأجوبة، من أجل إعادة البناء من الداخل.