غريبة هي آلية تشكيل الحكومة هذه المرة، بعد أن كانت التوقعات تُشير إلى سرعة قياسية في تشكيلها، بعد ترفّع غالبية الكتل النيابية عن فرض الشروط، تبين أن معركة سياسية كاسرة تُخاض في ملف التشكيل، بين مَن يعتبر الفرصة مؤاتية للتخلص من فريق سياسي، ومن يناضل لتثبيت موقعه داخل السلطة.
لا يقتصر المدى المكاني لمعركة تشكيل الحكومة على الصالونات المغلقة، فالمعركة تُدار أيضاً من خلال الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال، وبحسب مصادر سياسية متابعة، كانت الرياح الحكومية هادئة وقريبة من إيصال القارب الحكومي إلى بر التشكيل صباح الثلاثاء الماضي، فتسّرب خبر عبر الإعلام عن تثبيت ياسين جابر في وزارة المال، وبالإضافة إلى تسريب كامل الحصة الشيعية للثنائي مع الأسماء، فبرز جابر كوزير للمال، علاء حمية وزير للبيئة، صلاح عسيران وزير للصناعة، وعلي رباح أو طبيب من آل مرتضى وزيراً للصحة، بالإضافة إلى وزارة العمل.
فانطلقت حملة إعلامية من خلال تسريب مصادر سياسية تقول أن “القوات اللبنانية” والمعارضة فرملتا التشكيل، بسبب وجود حزبيّ على رأس وزارة المال، كذلك حملة على وسائل التواصل من شقين: الأول تهاجم الرئيس المكلف الذي تعتبره خاضعاً لمطالب “الثنائي الشيعي” وتدعوه للرحيل، والشق الثاني يصوب على موقف الخارج الرافض لحكومة فيها وزارة مال للثنائي، وأن هذا الخارج لن يدعم حكومة كهذه.
وللمرة الثانية تراجع الرئيس المكلف نواف سلام عن الاتفاقات، وأطلق موقفه بأن “كل ما يتردد عار من الصحة، وفيه الكثير من الشائعات والتكهنات، يهدف بعضها الى اثارة البلبلة، فلا أسماء ولا حقائب نهائية”.
وترى المصادر السياسية كلام سلام تلميحاً جديداً إلى وزارة المالية، رغم أن العقبات التي تُعيق التشكيل على ضفاف الطوائف الأخرى، لا تقل صعوبة عن هذه العقبة، مشيرة إلى أن الثنائي لم يعتبر نفسه معنياً ببيان سلام، على اعتبار أن علاقته مع الرئيس المكلف جيدة والأمور تسير على ما يُرام، وبالتالي لن تحكم على النيات ولا التسريبات، وفي حال تراجع سلام عن الاتفاق، عليه إبلاغه بشكل رسمي بذلك للبناء على الموقف.
وتُشير المصادر إلى أن ما يجري لا يمكن تفسيره إلا بأمرين:
– الأول هو أن “الخارج” الذي يرعى لبنان اليوم، يريد فعلاً إقصاء “الثنائي الشيعي” ويربط مساعدته للبنان بهذا الأمر، خصوصاً أن هناك من يقول ان شروط “الخارج” لدعم الحكومة الجديدة، تتعلق بالحصة الشيعية فقط وكلمة “المقاومة” في البيان الوزاري ولا يعنيه أمر آخر، وهنا سيكون التوجه لحكومة لا تلبي تطلعات الثنائي، وهي ما يُسمى بحكومة الأمر الواقع التي قد تتشكل برضى خارجي، يُتيح لها الحصول على الثقة في المجلس النيابي.
– الثاني هو أن بعض الداخل يتلطى بالثنائي لتحسين شروطه في الحكومة، وحصوله على حصص وزارية أكبر، خصوصاً أن الخلافات كبيرة بين المكونات السياسية حول الحصص.
إلى حين تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، تعتقد المصادر أن الرئيس المكلف سيكون عليه واجب الاختيار بين التشكيل أو استمرار المناورات التي ترسم خطوطها العريضة مقالات صحفية ونشرات إخبارية.