هكذا أقنعت واشنطن إسرائيل بعدم توجيه ضربة استراتيجية لحزب الله
زعم الخبير العسكري الأبرز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” رون بن يشاي، أن “جهاز الاستخبارات التابع للجيش الاسرائيلي وكبار مسؤولي الأمن كانوا على علم بخطة الرد التي وضعها حزب الله على اغتيال القيادي البارز فؤاد شكر في بيروت”.
وقال بن يشاي إنه “كان من المعروف مسبقا أن موعد الانتقام سيأتي في يوم الأربعين، وهو اليوم الذي يحيي فيه الشيعة ذكرى وفاة الإمام الحسين بن علي في معركة كربلاء قبل أكثر من 1300 عام، ومن المحتمل أن نصرالله اختار هذا الموعد، الذي صادف هذا العام في 25 آب، للتأكيد على الأهمية الدينية والتاريخية لفؤاد شكر، الذي كان القائد العسكري البارز في الحزب وصديقه ومستشاره الأهم”.
وأضاف، “كان من الضروري أن يفرض حزب الله ردعا ضد إسرائيل، وإرسال إشارة واضحة بأن أي هجوم إسرائيلي في بيروت سيُقابل بإطلاق نار على تل أبيب، ومن المؤكد أن نصرالله ورعاته الإيرانيين كانوا يرغبون في تجنب تصعيد شامل، كانوا على الأرجح يقدرون، وبحق، أنه إذا أسفر الهجوم عن خسائر وأضرار كبيرة، بما في ذلك في الداخل الإسرائيلي، فإن الجيش الإسرائيلي سيرد بقوة”.
واعتبر أنه “في هذه الحالة، من المرجح أن إيران ووكلاءها سيضطرون إلى التدخل لدعم حزب الله، ما سيؤدي إلى حرب إقليمية لا ترغب فيها إيران في الوقت الحالي، إذ يدرك القادة الإيرانيون جيدا ما قد يحدث لاقتصادهم، لمنشآتهم النووية، ولثبات نظامهم إذا اندلعت حرب كهذه”.
وبين بن يشاي أن “إيران ترى الاستعدادات الحالية للقوات البحرية والجوية الأميركية وحلفائها في المنطقة، وفي نيسان الماضي شاهدوا ما يمكن أن يحدث لصواريخهم وطائراتهم بدون طيار نتيجة التعاون بين جيش الاحتلال والقيادة المركزية للولايات المتحدة “سنتكوم”.
وقال بن يشاي: “طالما أن الولايات المتحدة موجودة بهذه القوة في المنطقة، ولحين امتلاك إيران سلاحا نوويا عمليا، فإن طهران لن تسمح لحزب الله أو لأي جهة أخرى بجرها إلى حرب إقليمية. وهذا هو السبب أيضًا في أن إيران، بعد مناقشات مكثفة، تجنبت توجيه ضربة انتقامية مشتركة أو حتى متزامنة مع حزب الله”.
وأشار إلى أن “المعلومات عن رد حزب الله المخطط له، والتي أصبحت أكثر تفصيلًا ودقة وموثوقية، “مكنت الجيش الإسرائيلي ليس فقط من التحضير للدفاع، بل أيضًا من إعداد عدة خطط لعمليات هجومية من نوعين، النوع الأول هو عمليات إحباط وإفشال هجوم الانتقام المخطط له من قبل حزب الله قبل أو أثناء تنفيذه، والمعروف في المصطلحات المهنية باسم الهجوم الوقائي أو الهجوم التمهيدي (وهو في الواقع هجوم يتم تنفيذه عندما يكون العدو قد أكمل استعداداته ويستعد للهجوم في الوقت القريب)، والنوع الثاني هو الهجمات الانتقامية والردع الإسرائيلي أثناء أو بعد هجوم حزب الله”.
وأضاف، “كان من الواضح منذ البداية لصناع القرار في النظام الأمني والسياسي أنه في أي حال، لن تنتظر إسرائيل حتى يطلق حزب الله صواريخ الانتقام، بل ستستخدم المعلومات الاستخباراتية النوعية التي لديها لتوجيه ضربة تمهيدية تعطل خطط حزب الله، تمنع الخسائر والأضرار في شمال إسرائيل، وتمنع ضرب الأهداف النوعية في وسط البلاد وفي منطقة تل أبيب. سيتم اتخاذ قرار بشأن الرد، إذا كان مطلوبًا، لاحقًا وفقًا للظروف. ومع ذلك، فقد وضعت المعلومات الاستخباراتية النوعية صناع القرار أمام إغراء لتنفيذ خطوة استراتيجية من شأنها أن تؤدي إلى تغيير جوهري في الواقع الأمني على الجبهة الشمالية”.
وأصر العديد من كبار المسؤولين في النظام الأمني (ولا يزالون يعتقدون) أن “عملية يوم الأربعين” كانت فرصة ذهبية لتنفيذ “ضربة استراتيجية” ضد حزب الله، لا يمكن التفصيل في الخطط التي اقترحها هؤلاء المسؤولون، لأن جيش الاحتلال قد يحتاج إلى تنفيذها في المستقبل، بحسب ما ذكر بن يشاي.
وأوضح أنه “يمكن تخيل سيناريو يتم فيه بعد أو حتى أثناء هجوم الانتقام من قبل حزب الله، أن يوجه الجيش الإسرائيلي ضربة نارية جوية، بحرية وبرية على جميع مواقع حزب الله وبنيته التحتية في جميع أنحاء لبنان، وفي الوقت نفسه يقوم بتدخل بري في جنوب لبنان؛ ذلك التدخل الذي يطالب به سكان الشمال الذين يعانون من أن يقوم به الجيش والحكومة دون تأخير، والذي ينتظر فقط أوامر التنفيذ من قيادة الشمال”.
وفقًا لهذا السيناريو، قال بن يشاي: “يمنح الهجوم من حزب الله إسرائيل الشرعية لشن حملة لا تقضي فقط على التهديد الذي يشكله حزب الله على الداخل الإسرائيلي لسنوات، وتحرم إيران من ذراعها الطويلة الأكثر فاعلية، بل تبعد فعليًا مقاتلي الحزب وأسلحته الثقيلة عن نطاق الأمان الذي لا يقل عن 10 كيلومترات من قرى الجليل والجولان”.
واختار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالتشاور مع وزير الحرب يوآف غالانت، رئيس الأركان هرتسي هاليفي وقادة هيئة الأركان العامة، الخيار الأكثر تحفظًا الذي اقترحه سلاح الجو وهو: “الهجوم التمهيدي لإزالة التهديد الذي سيعطل استعدادات حزب الله لضربة الانتقام، ثم إدارة حملة دفاعية تحبط نية الحزب بقلب الطاولة مجددًا باستخدام منصات الإطلاق والطائرات بدون طيار المتبقية له في جنوب لبنان”، بحسب المحلل الإسرائيلي.
وكانت هناك عدة اعتبارات هامة أدت إلى اتخاذ قرار بالتحرك بهذا الأسلوب المعتدل، وأهمها كان مطلب الولايات المتحدة وحلفائها من إسرائيل بعدم التصرف بطريقة قد تتصاعد إلى حرب إقليمية، والآن في خضم حملة الانتخابات الأمريكية والحرب التي تخوضها إسرائيل في غزة، ازداد حرص الإدارة الديمقراطية على منع الحرب الإقليمية إلى مستوى الهوس.
وإذا اضطرت الولايات المتحدة إلى الوفاء بالتزاماتها في الدفاع عن إسرائيل ضد إيران ووكلائها، فقد يتعرض الجنود الأميركيون للأذى ويعودون في توابيت، وقد ترتفع أسعار البنزين وغاز الطهي.. هذا كابوس لكل مرشح رئاسي ولكل رئيس أميركي.
لذلك، فإن واشنطن عرضت صفقة يصعب رفضها: “طُلب من إسرائيل الامتناع عن أي عمل قد يؤدي، بحسب تقدير الأميركيين، إلى توريطنا وتوريطهم في حرب إقليمية؛ التعاون في جهود التوصل إلى صفقة لتحرير الرهائن التي ستنهي الحرب في غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى القطاع”.
وفي المقابل، التزمت إدارة بايدن-هاريس بتقديم كل ما تحتاجه إسرائيل لتحقيق أهداف الحرب: “بدءًا من المساعدة العسكرية، مرورًا بردع موثوق تجاه دول المحور الشيعي باستخدام القوات العسكرية الأميركية، وصولاً إلى مظلة حماية دبلوماسية في الساحة الدولية”.
وذكر بن يشاي أنه “لا يمكن القول إلا إنها حزمة جذابة من الحوافز التي تكاد لا توجد تهديدات بجانبها سوى بعض الانتقادات العلنية لنتنياهو عندما يصر على الضغط على بواعث القلق الأمريكي”.
وختم بأنه “في النهاية، يمكن القول إن الاختيار بين الضربة الاستراتيجية أو الهجوم المحدود والعمليات الدفاعية كان مبنيًا على التقديرات الأمنية والسياسية الدقيقة، مع الأخذ بعين الاعتبار التدخل الأميركي وضغوطه، وبالتالي فإنه يمكن اعتبار ما جرى بمثابة نصف انتقام من حزب الله وليس أكثر”.