التلويحُ الإسرائيليّ الدائم بشأن إمكانية توسيع الحرب ضدّ لبنان، لا يمكن إلّا أن يتقاطع مع حدث كبير يمكن أن يكون الشرارة للمعركة الشّاملة. هنا، تعتبر المسألة “مفصلية”، فيما السؤال الأساسي يتمحور حول “صاحب الطلقة الأولى”.. فهل سيكون “حزب الله” أم إسرائيل؟
إذا نظرنا في “عُمق المسألة”، فإن ما سيتبين هو أن كل الضربات التي تلقاها “حزب الله” قد تكونُ كفيلة بفتح الجبهة والمواجهة. فمن الإغتيالات مروراً بقصف المدنيين والمرافق الإقتصادية وصولاً إلى الغارات المستمرة، كلها عوامل كان “حزب الله” يعتبرها سابقاً عنواناً لـ”تصعيد كبير”، وبالتالي يستحق الرد. حقاً، الضربات موجعة، ناهيك عن “الخروقات الإستخباراتية” التي يواجهها الحزب بشكل مستمر.. التساؤل الأساس أمام هذه المشهديّة هو التالي: إذا كان الحزب لا يرى في ما يحصل مدعاة لفتح حرب.. فما هو الحدث الذي سيدفعه لإعلان المواجهة؟
في الآونة الراهنة، ما يتبين هو أنّ الحزب يتعامل مع كل الإنتهاكات الإسرائيلية على أنها ضمن “خطوط اللعبة” أو ما يسمى بـ”قواعد الإشتباك”. إلا أنه وعند لحظة من اللحظات، قد يحصلُ أمرٌ ما يمكن أن يشكل إنعطافة مفصلية وتدفع الحزب لتكثيف هجماته وبالتالي جعل الجبهة تمتد باتجاه الداخل الإسرائيلي أكثر فأكثر.
ما هو الحدث الذي يعتبره الحزب بمثابة إعلان حرب؟
الحدث الأساس الذي قد يعتبره الحزب إعلان حرب هو “قصف بيروت”. المسألة هذه تعتبر من “الخطوط الحمر” التي في حال تجاوزتها إسرائيل، ستكون بمثابة الإنتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر قساوة وشدّة.
طيلة الفترة الماضية، حذر الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله من خطوة الإعتداء على بيروت، باعتبار أن أي ضربة تتلقاها ستكون بمثابة إشارة واضحة من إسرائيل على تصعيد الوضع، وبالتالي بدء عدوانٍ على لبنان.
قد يُقال هنا إنّ ضربة الضاحية الجنوبية التي أودت بحياة القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري مطلع العام الجاري بمثابة اعتداء على بيروت، لكن الحزب لم يفتح الحرب. الأمرُ هذا صحيح، فالضاحية من بيروت وجزءٌ لا يتجزأ منها، لكن ظروف الضربة كانت محدودة، فيما المستهدف كان واحداً، والقصف كان مُركزاً باتجاه مبنى واحد دون سواه.
المسألة هذه يدركها الحزب تماماً، ولهذا السبب لم يكن قصف الضاحية بمثابة خطوةٍ تقود نحو الحرب. إلا أنه في الوقت نفسه، وفي حال بادرت إسرائيل فعلاً إلى شن عدوانٍ على بيروت بشكل عشوائي وبواسطة “الطيران الحربي” سواء على تجمعات سكنية أو على المطار أو مرافق أخرى، عندها ستكون الإنعطافة الأكبر. ولكن، لماذا الحديث هنا فقط عن الطيران الحربي بينما لم يتم اعتبار الطيران المسيّر بمثابة عنصر أساسي في بدء الحرب؟ السؤال هذا سيُطرح، والإجابة بسيطة. في بادئ الأمر، الطيران الحربي من تسميته يمثل فتح جبهة، كما أن القصف الذي يأتي عبره يكون مدمراً بشدّة في حين أنّ مستويات الغارات تكون أعنف. أما في ما خص المُسيّرات، فإنها “تكتيكية” وذات عمل إستخباراتي، في حين أنها ترتبط بإغتيالات أكثر من تدمير شامل. فعلياً، لو كان استخدام تلك الطائرات عنصراً أساسياً لإعلان الحرب، لكانت المواجهة اندلعت منذ اليوم الأول الذي أطلقت فيه إسرائيل مسيّراتها باتجاه لبنان أو عند اللحظة الأولى التي استخدم فيه “حزب الله” طائراته التي خرقت الداخل الإسرائيلي.
على الجبهة الإسرائيليّة.. ما هو الحدث الذي قد يدفع تل أبيب لبدء الحرب؟
القلق الكبير الذي تعيشه إسرائيل قد يدفعها لاعتبار أي عملية ضدها بمثابة عملية لإعلان حرب. قبل أيام، تمّ قصف مدينة صفد بصواريخ دقيقة كما قال الإعلام الإسرائيليّ، في حين أن صواريخ “حزب الله” طالت مستوطنات أخرى ضمن خط الإشتباك، وكل ذلك قد يكون بالنسبة للإسرائيليين ضمن “قواعد المعركة المضبوطة”.
إلا أنه في المقابل، قد تعتبر تل أبيب أن الحرب بدأت حينما يستهدف “حزب الله” مفاعل حيوية كبيرة، سواء في خليج حيفا أو في ديمونا. كذلك، من الممكن أن تعتبر إسرائيل إطلاق صواريخ دقيقة باتجاه منطقة غوش دان الإسرائيلية والتي تضم أكثر من 2 مليون إسرائيلي، إشارة على تصعيد كبير من “حزب الله”.
عملياً، فإن هذين المشهدين، الأول المرتبط بالحزب والثاني المرتبط بإسرائيل، ليسا واردين أبداً في الوقت الراهن، طالما أن المجال ما زال موجوداً لبحث “التسوية السياسية”. أما ما يجري عند الحدود من تصعيد عسكري على صعيد قصف مقرات عسكرية هنا أو تنفيذ إغتيالات هناك، فكلها تعتبر أموراً تحت سقف قواعد الإشتباك، وتسجيل النقاط بالنسبة لكل طرف سيكون ضمن تلك العمليات.. هنا، ما يظهر هو أن هناك “شبه تنافس” بين “حزب الله” وإسرائيل حول الطرف الذي يمكنه التأثير بشكل أكبر على الآخر. فإلى الآن، “حزب الله” يرى نفسه متقدماً، كما أن إسرائيل كذلك. وعليه، طالما أن الصورة لدى كل طرف “وردية وجيدة”، فعندها لا ضرورة بالذهاب إلى حرب قد تؤدي إلى إنقلاب الصورة رأساً على عقب.. ولهذا.. وأمام كل تلك المعطيات، يمكن إستشراف التالي: “لا حرب”