شهد لبنان في الأيام الأخيرة عاصفة “كانونية” بامتياز تميزت بأمطار طوفانية غزيرة غطت المناطق اللبنانية كافة فتحوّلت نعمة الأمطار إلى نقمة على اللبنانيين حيث تسببت بسيول وفيضانات وانهيارات صخرية وانزلاقات في عدد من المناطق ما أدى إلى خسائر مادية كبيرة وإقفال طرق رئيسية. وقد كشف هذا الأمر عن اهتراء البُنى التحتية في البلد الحاجة المُلحة لإعادة تأهيلها، لاسيما ان كمية المُتساقطات التي تم تسجيلها في الأيام الأخيرة فاقت كل التوقعات وتخطت المعدلات العامة في مختلف المناطق.
ومتابعة لأضرار العاصفة، التقى أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وزير البيئة ناصر ياسين والامين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى والامين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد الخير وتمّ عرض نتائج المسح الاولي لأضرار العاصفة.
وطلب ميقاتي في هذا الإطار من “لجنة ادارة الكوارث والازمات” متابعة أضرار الفيضانات الأخيرة واتخاذ القرارات المناسبة في ما يتعلق بإحالة كل التعديات الحاصلة على مجاري الانهر على القضاء المختص، والعمل على تأمين استمرارية فتح الطرق الرئيسية ومتابعة الاجراءات المتعلقة بسلامة المواطنين بعد العاصفة.
وعلى الرغم من تأخر الأمطار والثلوج هذا الموسم الا ان شهر كانون الثاني في قسمه الثاني يُمكن القول انه “بيضها” فماذا ينتظرنا في قسمه الأخير؟ والسؤال الأهم ما الذي أدى إلى هطول هذه الكمية الكبيرة من المُتساقطات؟
الأب ايلي خنيصر المُتخصص بالأحوال الجوية وعلم المُناخ والذي حذر سابقا من الأمطار الطوفانية الذي حملها المنخفض الجوي الأخير، شرح عبر “لبنان 24” ما حصل في الأيام الأخيرة على صعيد الطقس، ولفت إلى انه “منذ السادس من كانون الثاني الجاري ارتفعت الضغوط الجوية في وسط أوروبا وانحرفت المنخفضات وملأت البحر الأبيض المتوسط بالرطوبة العالية وشكّلت منخفضا عملاقا امتدت مساحته من سردينيا جنوب إيطاليا، وجنوب اليونان وجزيرة قبرص، وبدأ يقترب من السواحل اللبنانية فتأثر به لبنان في ساعات يوم الثلاثاء 9 كانون الثاني ليلا”، موضحا بأن “لا علاقة للمنخفض الايسلندي بهذا السيناريو بل المرتفع الآزوري الذي اخترق أوروبا”.
وتابع: “مع انخفاض الضغط الجوي بدأ هذا المنخفض يضرب لبنان من خلال مرحلتين: المرحلة الأولى من ليل الثلاثاء 9 كانون الثاني ولغاية ظهر يوم الجمعة حيث تساقطت الأمطار في هذه الفترة بين متوسطة وغزيرة وتخطت الـ 90 ملمترا فكانت كافية لكي تمتصها التربة، ومع دخول مساء يوم الجمعة 12 كانون الثاني ضرب القسم الثاني من المنخفض لبنان بالأمطار الطوفانية التي كانت مصحوبة بحبات البرد ونسبة الصواعق والعواصف الرعدية التي لامست الـ 60 بالمئة.”
وكان الأب خنيصر أطلق تحذيرات مُتتالية ودق ناقوس الخطر منذ مساء يوم الجمعة الماضي محذرا من سيناريو الأمطار الطوفانية ومن أن الآتي سيكون أصعب ومن ان لبنان سيمر بأوقات حرجة، ويوم السبت الماضي لاحظ اللبنانيون ان نسبة الهطولات والمُتساقطات كانت غير عادية ما تسبب بأضرار وكوارث في المناطق اللبنانية كافة يُمكن اختصارها على الشكل التالي:
ارتفاع منسوب المياه على الطرقات، تشكّل البرك والبحيرات، تشكّل المستنقعات في سهل البقاع، جرف الأتربة، انهيارات صخرية، تشقق الطرقات وتصدعها، إقفال الطرقات بسبب الانهيارات الصخرية العملاقة. كما حصل على طريق ضهر البيدر والشوف وفي عدة مناطق، تفجر الينابيع، ارتفاع منسوب الأنهار كنهر إبراهيم ونهر بيروت ونهر العاصي ونهر أبو علي والنهر الكبير الذي أتلف البساتين وأغرق المنازل والبيوت ما دفع فرق الدفاع المدني على إنقاذ العالقين في منازلهم، وكان آخرها ما حدث في بلدة قرنايل في المتن الأعلى حيث انزلق قسم من الجبل وأدى إلى سقوط عدد كبير من أشجار الصنوبر يتخطى عددها الـ 100 شجرة وناشد المواطنون في المنطقة المعنيين الكشف على الأضرار لاسيما مع الخوف من انجراف التربة الحاصل في المنطقة، اضف إلى ذلك فان التراكمات الثلجية لامست فجر الأحد المتر على ارتفاع الـ 2000 متر والـ 140 سنتمترا على 2300 متر.
ماذا ينتظر لبنان بعد 22 كانون الثاني؟
وعن طقس الأيام المُقبلة، لفت خنيصر إلى ان “طقسا مستقرا سيشهده لبنان مع ارتفاع في درجات الحرارة حتى يوم الأحد المُقبل حيث من المنتظر ان يتأثر لبنان بمنخفض جوي اعتبارا من يوم الإثنين 22 كانون الثاني يترافق مع هبوب رياح شمالية قطبية باردة ستسبب في “انهيار” درجات الحرارة بشكل حاد وسريع، فنكون مع سيناريو يحمل الأمطار والثلوج على الجبال المتوسطة”.
ويؤكد خنيصر ان ” منخفضات جوية وكتلا قطبية تنتظرنا في القسم الأخير من شهر كانون الثاني”، وختم بالقول: “باختصار هو طقس كانوني نعيشه كما كل سنة”.
إذا سيشهد لبنان في الأيام القليلة المُقبلة طقسا مستقرا لفترة وجيزة قبل عودة المنخفضات الجوية والأمطار، على أمل الا نختبر “غضب” الطبيعة من جديد وان يتحقق المثل الشائع الذي يقول “بعد كانون الشتي بيهون”.