استقبل اللبنانيون سنتهم الجديدة بطرق مختلفة، كل واحد منهم على طريقته الخاصة، اعتقادا منهم أن ما ستحمله الأيام الآتية ستكون أفضل مما سبقها. وحدهم الجنوبيون، وبالتحديد أهالي القرى الحدودية المتاخمة، سواء أولئك الذين رفضوا ترك أرضهم، أو أولئك الذين لم يكن لديهم خيار سوى اللجوء إلى حيث لجأوا، لم يشعروا بفرحة المناسبة، وهم القلقون أكثر من غيرهم عمّا تحمله إليهم السنة الجديدة من تطورات ومفاجآت غير مطمئنة، خصوصًا أن أذى الصواريخ يطال أرواحهم أرزاقهم من دون طائل.
أهل الجنوب الطيبون هم أكثر الناس الذين يتعاطفون مع أقرانهم في غزة الحزينة، ولكنهم في الوقت ذاته يعرفون أكثر من غيرهم أن فتح الجبهة الجنوبية لم يخفّف عن أهل فلسطين ما يتعرّضون له من مجازر وتشريد، ولم يردع العدو الإسرائيلي، ولم يستطع أن يضع لغطرسته ولإجرامه حدًّا. وهم يعلمون أيضًا أن الحرب على غزة طويلة وقاسية، ويعلمون أيضًا وأيضًا أن الأمور في الجنوب آيلة إلى تطورات دراماتيكية، خصوصًا إذا سقطت المساعي الدولية أمام إصرار من في يدهم مفتاح الحل والربط على ربط مصير الجنوب وغيره من الاستحقاقات بما يجري في غزة.
كثرت الآمال البديهية في أن تكون بداية السنة الجديدة منطلقًا لبدء مسار الانفراجات اللبنانية، بدءًا من الجنوب، وصولًا إلى نزع “الشمع الأحمر” عن أبواب
بعبدا، لكن هذه الامنيات بقيت أسيرة واقع لا يسمح بأكثر من تفاؤل مؤقت لم يدم سوى للحظات. فالواقع المرير الذي يعيشه اللبنانيون أثبت أنه أقوى بكثير من آمال عابرة. فالألغام الكثيرة لا تزال تحول دون حصول أي توقعات متفائلة حيال نجاح المساعي الديبلوماسية الهادفة إلى تأمين مرور آمن
للبنان نتيجة المواجهة القائمة في جنوبه، خصوصًا أن الآمال تبدو ضئيلة بإمكانية أي انفراج وشيك، وقد أتى الاعتداء الأخير على دورية تابعة للقوة الإندونيسية العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية، حيث تعرّضت للرشق بالحجارة أثناء مرورها في ساحة البلدة في طريقها إلى مركزها في عدشيت القصير، متزامنًا مع ما يتردّد عن مهمة جديدة سيقوم بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين في منتصف الشهر الجاري، في مسعى تفاوضي جديد متصل بالترسيم البري للحدود اللبنانية مع
إسرائيل.
وبالتوازي
كان لرئيس القوة الدولية وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو كلام اشار فيه الى
ان احتمال حدوث تصعيد أكبر في الجنوب يبقى قائماً دائماً، معتبراً في الوقت عينه
ان حقيقة احتواء النزاع إلى حد كبير في المناطق القريبة من الخط الأزرق هي علامة على أن الأطراف لا ترغب في التصعيد، ولكن هناك دائماً خطر حدوث سوء تقدير، وتعمل “
اليونيفيل” جاهدة لمنع ذلك.
فما يحدث في الجنوب، تصعيدًا واعتداء على قوات “
اليونيفيل” لا يمكن سوى ادراجه في خانة التجاذبات السياسية، خصوصًا بعد الكلام الإسرائيلي الأخير بالنسبة إلى ما أدّعته تل ابيب من أن “
حزب الله” سحب “قوة الرضوان” من المواقع الأمامية التي انتشرت فيها منذ زمن بعيد وأعادت تموضعها في مواقع خلفية، وإن كانت قيادة الحزب لا تزال مقتنعة من أنه على رغم كل التهديدات الإسرائيلية فإن
واشنطن لا تزال قادرة على الإمساك باليد الإسرائيلية ومنعها من اختراق ساحة الجنوب. ولا يتردّد مقرّبون من “
حارة حريك” من اتهام جهات لها مصلحة في أن تخرج الأمور على الساحة الجنوبية عن السيطرة بأنها وراء ما تتعرض له قوات “اليونيفل” في أكثر من منطقة جنوبية، وذلك في توقيت غير بريء، خصوصًا أن هذه الاعتداءات جاءت في ذروة الحديث الإسرائيلي عن إعادة تفعيل القرار الأممي 1701، وفي ذروة الحديث عن ضرورة سحب عناصر “
حزب الله” من بقعة عمليات القوة الدولية أي جنوب الليطاني”.
واللافت أنه
كان للجنوب حصّة الأسد في توقعات البصارين والعرافين ليلة رأس السنة، حيث أجمعوا على أن مختلف المناطق الجنوبية ستشهد خلال العام الحالي حركة استثمارية داخلية وخارجية استثنائية.
هذه المرّة سنعكس ما يُقال عادة عن المنجمين فنقول “صدق المنجمون ولو كذبوا.