التهديدات التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ضدّ “حزب الله“، أمس الأربعاء، ليست جديدة في مضمونها من حيث التعبير عن وجود نية لدى إسرائيل بمُهاجمة لبنان. فعلياً، فإن “النغمة” هذه باتت مُكرّرة وتكشف عن “جعجعة” لا أكثر، فتل أبيب تعلم تماماً أنّ الشروع في حرب ضدّ لبنان سيكون مُكلفاً كثيراً.
حالياً، ما تقوم به إسرائيل في ظلّ هزيمتها الكبرى ضد حركة “حماس” في قطاع غزة، هو ترميم صورتها العسكرية على جبهة أخرى، أي جبهة لبنان، وبالتالي القول إنها قادرة على خوض حرب هناك. في الأمس، قال غالانت إنّ القوات الجويّة الإسرائيلية على أتمّ الإستعداد، مشيراً إلى أن إسرائيل لا تودّ فتح الجبهة مع لبنان، لكن إذا فُرضت الحرب فتل أبيب جاهزة. الإشارة التي يطلقها غالانت هنا تكشف أنه لا قدرة لدى إسرائيل على مهاجمة لبنان برياً مثلما حصل في غزة، فنطاقها الجو فقط، أي أنها ستعمل على شن عدوانٍ ضد لبنان عبر طائراتها الحربية، وهذا الأمر حصل في حرب تمّوز عام 2006. حينها، تمسكت إسرائيل بسلاح الجو لديها، في حين أنها حاولت التوغل داخل جنوب لبنان لكنها فشلت في ذلك، وهنا بيت القصيد.
في الواقع، من يُراقب مضامين حرب غزّة والإعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، سيرى أن إسرائيل بدأت تُفتّش عن نهايةٍ للحرب القائمة بأي ثمن ممكن. لهذا السبب، قررت الإستعجال في شن عملياتٍ برية ضد القطاع الفلسطيني قبل يومين، فهي تريد تحقيق أي تقدّم ميداني وتصوير نفسها أنها قادرة على الدخول إلى أي مكانٍ تريده وتصفية من تضعهم على قائمة أهدافها من مسؤولي حركة “حماس“. أما في لبنان، فالأمور مختلفة.. فإسرائيل تترقب ما سيقوله أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم غدٍ الجمعة، فالتأويلات لما سيعلنه الأخير كثيرة، في حين أن تل أبيب باتت تستعدّ لأي لحظة صفرٍ قد يُعلنها نصرالله في خطابه.
بكل بساطة، فإن إسرائيل تجد نفسها خلال الساعات المقبلة أمام طريقين: إما الحرب الشاملة والمفتوحة مع “حزب الله“، أو الذهاب نحو “ستاتيكو” جديد من المواجهة مع الأخير. الأقرب للواقع هو الخيار الثاني.. فكيف سيكون ذلك؟
ما سيعلنه نصرالله في خطابه سيكونُ مقدّمة لمرحلة جديدة من الصراع ضد إسرائيل. وعليه، فإن خطاب 3 تشرين الثاني 2023 سيكونُ بمثابة تأسيسٍ لقواعد إشتباكٍ جديدة بين “حزب الله” وتل أبيب، وبالتالي فإنّ المعارك الدائرة في الجنوب حالياً هي التي ستُمهد لتلك القواعد، وهنا سيكمن السر. لهذا السبب، يمكن تشبيه خطاب نصرالله، الجمعة، بالخطاب الذي ألقاهُ الأخير يوم 14 آب 2006 عقب إنتهاء حرب تموز. في ذلك الحين، أرسى أمين عام الحزب أسساً جديدة للإشتباك مع إسرائيل، ومنذ تلك اللحظة كانت المعادلة التي قامت حتى الآن.
فعلياً، وبعد 17 عاماً على معادلة الردع، بات مطلوباً إضفاء تعديلات جذرية عليها في ظلّ تبدل أوجه الصراع ومعايير القوة. لهذا السبب، وجد “حزب الله” في حرب غزة هذه المرة الورقة التي يمكن إستغلالها لفرضِ معادلات جديدة على إسرائيل، مع العلم واليقين بأن الأخيرة لن تُبادر إلى حرب، وبالتالي يمكن للحزب التحكّم بالميدان والتأسيس لما يريده من قواعد إشتباك جديدة تتناسب مع قوته، ومع إنجازاته العسكرية التي حققها خلال المواجهات الأخيرة.
إنطلاقاً من كل ذلك، يمكن القول إنّ خطاب نصرالله قد لا يكونُ بمثابة إعلان حرب، بل بمثابة إرساء معادلات جديدة سيتمّ اعتمادها للمرحلة المقبلة، ما يعني أنّ ما تأسس في تموز 2006 سيشهد تعديلاتٍ جديدة في تشرين الثاني 2023، وبالتالي فإن ما بعد 3 تشرين الثاني من العام الحالي ليس كما قبله.. والسؤال الأساسيّ هنا: كيف ستتعامل إسرائيل مع أي قواعد جديدة يفرضها “حزب الله“؟ ما هي وسائلها للمواجهة؟ وهل ستفرض حرباً على لبنان في سبيل كسر كل المعادلات القديمة والجديدة؟ الأيام المقبلة كفيلة بكشف كل ذلك!