عندما شنّت اسرائيل عدوانها على الضاحية الجنوبية، عاد شعور القلق والخوف من احتمال توسّع الحرب. فسكان الضاحية كانوا طيلة الفترة الماضية يشعرون وكأن الحرب لن تصل إليهم. ولكن بعد العدوان تبدّل الشعور، وعادت إلى الواجهة محاولات البحث عن سكن بديل، فارتفعت أسعار إيجارات الشقق المفروشة، مع شروط قاسية، ومذلة أحياناً لمن يُريد أن يستأجر.
في الأيام الماضية، شعر سكان الجنوب الذين لا يزالون صامدين في قراهم، كما بعض سكان الضاحية الجنوبية، بقلق يتعلق بخطة النزوح بحال تطلب الوضع ذلك. إذ يبدو لافتاً أن الوضع الاقتصادي المأزوم يجعل من إعداد هذه الخطة أمراً صعباً، فالنزوح يكلف مالاً، يقول أحد الجنوبيين في حديث لـ”المدن”.
خطة النزوح جاهزة ولا قرار بالتنفيذ
تكشف مصادر معنية بملف النزوح والخطط المعدّة للتصدي له، أن بعض المناطق اللبنانية تشهد ارتفاعاً قياسياً ببدلات الإيجار، حيث تتراوح إيجارات الشقق المفروشة بين 600 و2000 دولار أميركي، مشيرة إلى أن المشكلة ليست فقط ببدلات الإيجار. فالمقتدرون مالياً استأجروا، ولكن المشكلة بالشروط غير المألوفة. تكشف عدة قصص أن بعض أصحاب الشقق يلزمون المستأجر بتوقيع تعهّد يتضمن هوية وعدد الأشخاص الذين سيسكنون المكان. وبموجبه يُمنع على المستأجر إدخال عائلة إضافية إلى الشقة.
لا يوجد قرار حالياً بإخلاء قرى ومناطق، تؤكد المصادر عبر “المدن”، مشيرة إلى أن خطة النزوح التي وضعها حزب الله بداية الحرب في تشرين الأول الماضي لا تزال على حالها، وهي تتضمن اماكن إيواء قادرة على استيعاب حوالى 50 بالمئة من سكان الجنوب والضاحية وبعلبك- الهرمل، تتمركز بشكل أساسي في شمال لبنان. وتتضمن الخطة تأمين المسكن والمأكل وغيرها من الخدمات الصحية. وقد كان لـ”المدن” تقرير سابق يُضيء بشكل مفصل على هذه الخطة.
تؤكد المصادر أنه عندما يتطلب الوضع خروج الناس من منازلها، ستجد من يسهّل عليها أمرها. سيكون هناك لجان ومعنيون في كل منطقة وحي وشارع. ولكن حتى اللحظة لا يوجد قرار من هذا النوع، ومن يخرج من منزله حالياً هو القادر على دفع بدلات إيجار مرتفعة. علماً انه لا يجوز لهؤلاء السكوت والقبول بما يتعرضون له من جشع واستغلال.
جنبلاط يطلب تشكيل لجان أحياء
في السياق نفسه علمت “المدن” أن رئيس الحزب الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، تحرك خلال نهاية الأسبوع الماضي، وعقد اجتماعاً في المختارة لمسؤولين في الحزب الاشتراكي، وطلب منهم إعداد إحصاء بالمنازل التي يمكن استخدامها لاستقبال النازحين. كما طلب جنبلاط من المسؤولين تشكيل لجان أحياء لمتابعة هذا الملف، ومواكبة ما يمكن أن يحصل في الأيام المقبلة، على أن يتفعل دور هذه اللجان فور وقوع الحرب وبدء مرحلة النزوح إلى مناطق الجبل.
“لا يوجد تنسيق مباشر، إنما هناك تعاون مطلق من قبل أهالي الجبل”، تقول المصادر المعنية بملف النزوح لدى حزب الله، مشيرة إلى أن “المبادرة التي يقودها وليد جنبلاط أكثر من ممتازة”، وبدأت تُعطي النتائج. فمثلاً هناك أحد الأشخاص اتفق مع مالك إحدى الشقق في الجبل على بدل إيجار 1000 دولار أميركي، ولكنه تلقى منذ ساعات اتصالاً من صاحب الشقة يبلغه بأنه قرر خفض الإيجار إلى 700 دولار. وهذا الأمر نتيجة طلب جنبلاط المباشر من أصحاب الشقق مراعاة النازحين.
في زغرتا الإيجارات لم ترتفع
كذلك كان لافتاً بيان تيار المردة خلال الساعات الماضية حول ملف النزوح. إذ صدر بيان عن هيئة تيار المردة- قضاء بعبدا، جاء فيه: “التزاماً بمبادئنا الوطنية، ونظراً للظروف الراهنة والأليمة التي يمر بها وطننا لبنان، يتمنى تيار المرده -قضاء بعبدا من جميع المحازبين والمناصرين في مناطق قضاء بعبدا وأعالي عاليه والشوف، استقبال الأخوة اللبنانيين النازحين من جنوب لبنان بما هو متعارف عليه من قيم وحسن ضيافة اهل الجبل”.
وأضاف البيان، “كما تتمنى هيئة تيار المرده في قضاء بعبدا من الأهل والأخوة والمالكين مراعاة المعدلات الطبيعية لأسعار إيجارات الشقق والمنازل التي يستأجرها النازحون اللبنانيون من أبناء الجنوب، والتعامل مع مقتضيات هذه المرحلة بمنتهى التضامن الوطني والاجتماعي والإنساني”.
وفي هذا الإطار تؤكد المصادر أن أسعار بدلات الإيجار في مناطق زغرتا على سبيل المثال لم تتبدل. وقد تم توجيه عدد من العائلات إلى هناك خلال الساعات الماضية، مشيرة إلى أن “أهالي زغرتا حالهم من حال أهالي الجنوب”.