بعد تأخّر لخمسة أشهر شبه كاملة، يحطّ المبعوث الرئاسي الفرنسي ووزير الخارجية السابق جان إيف لودريان في العاصمة اللبنانية بيروت من جديد بعد الظهر ، في زيارة كانت مفترضة منذ مطلع العام الحالي، لكنها أرجئت بسبب عدم رغبة الرجل في أن تكون “نسخة طبق الأصل” عن سابقاتها، التي يقول البعض إنّها أضرّت بصورة فرنسا وأظهرتها عاجزة عن تحقيق أهدافها، ولو استعيض عنها بما اصطلح على تسميته بـ”حراك سفراء الخماسية”.
يرى المتابعون أنّ عوامل عدّة أدّت إلى تأجيل الزيارة من مطلع العام إلى الآن، من بينها الانقلاب في الأولويات التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبالتوازي على جنوب لبنان، ما جعل الاهتمام يتركّز على الوضع الأمني بعيدًا عن الاستحقاق الرئاسي، رغم فرضيّة “فصل الجبهات”، ولا سيما أنّ كلّ المعطيات كانت تشير إلى “عدم نضوج” الظروف التي تتيح انتخاب الرئيس، وعدم إبداء مختلف الأطراف المرونة اللازمة لتحرير الاستحقاق.
من هنا، يحمل توقيت الزيارة اليوم العديد من الإشارات، ولا سيما أنّها تأتي بعد أيام على إعلان “سفراء الخماسية” اختتام مشاوراتهم، ورسمهم ما وُصِف بـ”خارطة الطريق” لإنجاز الاستحقاق، ولو بقيت من دون آليات تنفيذية، كما تأتي في ضوء “مشهد ساخن” على خطّ الحرب في غزة والمفاوضات المرافقة لها، فلماذا يأتي لودريان إلى بيروت الآن تحديدًا؟ وهل من خرق يمكن توقّعه بنتيجة هذه الزيارة “المؤجَّلة” إن جاز التعبير؟!
زيارة “متأخّرة”
قد يكون السؤال “لماذا الآن؟” في الحديث عن زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لورديان مشروعًا، فالزيارة “متأخّرة” عن موعدها المفترض لخمسة أشهر، لكنّ هذه الحقيقة قد تحمل في واقع الأمر إجابة مبدئيّة، فعدم حصول الزيارة طيلة الأشهر الماضية لا يعني أنّها لم تعد “مجدولة” على الأجندة الفرنسية، ولا سيما أنّ باريس لا تزال متمسّكة بمبادرتها الرئاسية، وتسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة، انطلاقًا من البوابة اللبنانية تحديدًا.
في التوقيت، يشير العارفون إلى أنّ لودريان أراد أن ينتهي “السفراء” من جولتهم الاستطلاعية على مختلف الفرقاء قبل العودة، ليكون هناك “أساس صلب” يستند إليه في جولته الجديدة على الفرقاء، خصوصًا أنّ الهاجس الذي كان لديه هو أنّه لا يريد أن يكون الفشل عنوان زيارته السادسة، فتبقى محصورة على غرار سابقاتها في العناوين نفسها، من دون أن يكون قادرًا على تحقيق أيّ خرق، أو بالحد الأدنى تقديم أيّ جديد يمكن البناء عليه.
ومع أنّ هذا “السيناريو” قد لا يكون بعيدًا عن التوقعات المرتبطة بالزيارة السادسة وفق بعض التقديرات، فإنّ الفارق هذه المرّة بحسب ما يقول العارفون أنّ الزيارة أصبحت ضرورية، استكمالاً للجهد الذي بدأه سفراء “الخماسية”، ما يتطلب حضوره الشخصيّ، لمحاولة ترجمة “خريطة الطريق” التي وضعها هؤلاء في بيانهم الأخير إلى خطوات ملموسة على الأرض، رغم أنّ الانطباعات الأولية لا تبدو “إيجابيّة” بأتمّ معنى الكلمة.
لا خرق ولا من يحزنون؟
بالحديث عن توقيت الزيارة، ثمّة من يربطها أيضًا بالوضع القائم في المنطقة ككلّ، في ظلّ مناخ المفاوضات المسيطر عليها، ولو أنّها تبقى حتى الآن “حركة بلا بركة”، باعتبار أنّ العمليات العسكرية تزداد “سخونة” في غزة، بدل أن يتراجع زخمها، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ جزءًا من زيارة لودريان يسعى لتوجيه رسالة إلى وجوب تغليب منطق “التسوية”، لأنّ البديل عنها سيكون المزيد من التشنّج، ربطًا بـ”الصيف الساخن” الذي يتوعّد به الإسرائيليون.
لكن رغم كلّ ما سبق، يتمسّك المتابعون بصورة عامة بـ”نَفَس تشاؤمي” إن جاز التعبير، في مقاربة الزيارة، فلا شيء يوحي بأنّها ستكون فعلاً مختلفة عن سابقاتها كما يطمح وزير الخارجية الفرنسي السابق أن تكون، علمًا أنّ بعض المواقف التي صدرت في الأيام الأخيرة زادت من “تعقيد الأمور”، ما يترك الأمور في دائرة المراوحة نفسها، فلا المعارضة جاهزة لحوار يأخذ صفة المشاورات، ولا “الثنائي” جاهز للانتقال لما سُمّي بـ”الخيار الثالث”.
أكثر من ذلك، ثمّة من يرى أنّ “الإيجابية” التي ظهرت بعد بيان “الخماسية” تلاشت في الأيام الماضية، ما قد “يصعّب” مهمّة لودريان أكثر خلال زيارته إلى بيروت، خصوصًا بعد ما نُسِب لأوساط “الثنائي” من اعتراض على بعض بنود البيان، وإصرار على “حوار موسّع بإدارته” لا بدّ منه قبل الدعوة إلى أيّ جلسة انتخابية تصادق على “التسوية”، وهو ما ترفضه المعارضة، التي تتحفّظ حتى على “المشاورات المحدودة”، ولا تقبلها إلا “شكليًا” ربما.
لن تكون مهمّة لودريان يسيرة إذاً، ولو سبقتها مشاورات موسّعة قام بها “سفراء الخماسية”، لفتح الباب أمام “خرق عملي” يرغب المبعوث الفرنسي أن تكرّسه زيارته، تمهيدًا لإنجاز الاستحقاق الرئاسي “قبل فوات الأوان”. وبعيدًا عن شعار “الفرصة الأخيرة” الذي بات مُستهلَكًا حتى بمقاربة زيارات لودريان المتعدّدة، فإنّ الواضح أنّ خلاصة الزيارة ستبقى عالقة كسابقاتها عند “نصيحة” الرجل للبنانيين، التي لا يملّ من تكرارها: ساعدوا أنفسكم لنساعدكم!