إغتيال إسرائيل للقياديّ في “الحرس الثوري الإيراني” محمد رضا زاهدي بإستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق قبل أيام، سيرتدّ بشكل أو بآخر على “حزب الله” بصورة مباشرة، فزاهدي كان أحد أبرز القادة الإيرانيين المرتبطين بالحزب ارتباطاً وثيقاً، وعمل على تعزيز قوته وصقل قدراته الصاروخية خلال السنوات الـ20 الماضية.
مسألة اغتيال زاهدي وغيره من القادة الإيرانيين الأساسيين تضع الحزب أمام معضلة تتصلُ بـ”غياب أركان محوريين” في العمل القتالي ضد إسرائيل. فعلياً، أول خسارة كبرى للحزب كانت عام 2008 حينما اغتالت تل أبيب قائده العسكري الشهيد عماد مغنية في دمشق. رغم الضربة الموجعة برحيل مغنية، تمكنت إيران منذ ذلك الحين من إعادة جعل الحزب يندفع أكثر نحو الأمام، فالمساهمة الفعلية ضمنه كانت حاضرة في أكثر من ميدان، والدليل كان خلال الحرب السورية التي بدأت عام 2011. هناك، كان الحزب حاضراً وما زال حتى الآن برعاية فعلية من الإيرانيين، رغم كل الحديث عن إنسحابٍ حصل خلال السنوات الماضية. عملياً، قد يكون وجود الحزب في سوريا مقتصراً على معنيين بتصنيع الأسلحة ونقلها إلى لبنان، كما أن الدور الأساسي لهؤلاء يمكن أيضاً في التنسيق مع الإيرانيين ومع زاهدي بشكلٍ خاص.
في العام 2006، وبعد خبرة ميدانية وقتالية طويلة، استطاع مغنية خوض حرب تموز ضد إسرائيل وفق معايير عسكرية وإستخباراتية تختلف عما وصلت إليه الأمور الآن. منذ 18 عاماً، تبدلت كافة الموازين، حتى أن “حزب الله” تبدل وتغير، كما أن نطاقه اتسع، فيما الخروقات التي يواجهها باتت أكثر وأعمق نظراً لتمدده الجغرافي في أكثر من جبهة وساحة وإقليم.
الخبرة التي كان يمتلكها مغنية كبيرة، وحينما خسره الحزب تدخلت إيران بقادة مماثلين لتسيير شؤون الحزب العسكرية أقله من خلال صقل القدرات وتعزيز الوحدات القتالية وتمكين النظام الأمني داخله. أحد أبرز المسؤولين عن هذه المسيرة كان زاهدي، فيما كان قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني أبرز ركنٍ في دعم الحزب وتطويره على مدى السنوات الماضية لاسيما خلال الحرب السورية وأيضاً بعد حرب تموز.
صحيح أن غياب مغنية كان مؤثراً لكن وجود سليماني وزاهدي وآخرين مع الحزب أرسى نوعاً من الإطمئنان.. ولكن، ماذا سيحصل لاحقاً بعد تصفية أبرز “العقول” الأساسية التي استفاد الحزب منها؟
وخلال عمليات الاغتيال السابقة التي طالت قادة الحزب منذ بدء حرب غزّة يوم 7 تشرين الأول الماضي، كان الهدف الإسرائيلي واضحاً في التركيز على أشخاص معينين لتصفيتهم، والغاية من هذه الخطوة هو كسر قاعدة أساسية للحزب تكاد تشكل “بنية مهمة” لإستمراريته العسكرية لاحقاً. هنا، فإن هذا الأمر لم يطل القادة الأساسيين في الحزب وحسب، بل شمل أيضاً الأطراف التي يحتاج إليها الأخير للإتكاء عليها، ما يعني أن “قصقصة الجوانح” باتت تفرض نفسها ميدانياً وحربياً، سواء داخل الحزب أو حتى على صعيد حلفائه الإيرانيين.
إنطلاقاً من كل ذلك، يمكن اعتبار أن الواقع الحالي فرض على الحزب معركة جديدة عنوانها “تأسيس قيادات جديدة ومحورية”، فالحرب الحالية كشفت أنماطا قتالية جديدة لم تكن موجودة سابقاً. ضمنياً، قد يكون من صالح الحزب حدوث هذه الحرب لإكتشاف نقاط القوة والضعف وتحديد مسارات تطويرية جديدة.
وقد تكون عملية “طوفان الأقصى” طريقاً نحو منعطفين: الأول وهو تطوير الحزب والاستفادة من كل دروس الحرب الحالية للبقاء والإستمرار، فيما المنعطف الثاني سيكون عنواناً لاتجاه الحزب نحو الضعف والتراجع.. وطبعاً، العبرة في ما ستحمله الأيام والسنوات المُقبلة.