لم يكن فراس فارس، ابن بلدة حولا الجنوبية، يعرف بأن موقع “حولا على البال” الذي انشأه أبناء البلد قبل سنوات وطغى الطابع التراثي مع أخبار البلدة، سيتحول الى منصة اخبارية تضخ الأنباء الميدانية لحظة بلحظة.
منذ بدء الأحداث في الجنوب، تحول فارس وعددٌ من أبناء البلدة إلى مراسلين ميدانيين، يقدمون المعلومات الميدانية وأخبار القصف لحظة بلحظة، ويمدّون الوسائل الإعلامية المحلية والعربية بالمعلومات الأولية عن القصف الذي يطاول البلدة ومحيطها، والأضرار الناتجة عن الاعتداءات الاسرائيلية.
وفارس بات واحداً من عشرات المراسلين الميدانيين المجهولين بالنسبة لكثيرين، لكن لهم دوراً مؤثراً في تغطية الأنباء. فالأخبار التي تُضخ لحظة بلحظة عبر منصات “تلغرام” ومجموعات “واتسآب”، وتعتمد وسائل الاعلام التقليدي على القسم الأكبر منها، ينتجها مراسلون ميدانيون مجهولون. إنهم صحافيو الظل.
يتسلح هؤلاء بمعرفتهم الميدانية والتفاصيل الجغرافية، وهي مهارات، الى جانب تواجدهم في المنطقة، أحدثت فرقاً واضحاً في التغطية، وعوضت النقص في انتشار وسائل الاعلام على مساحة تتعدى المئة كيلومتر. وتساهم علاقات هؤلاء الاجتماعية في البلدة، والقدرة على التدقيق في أسماء جرحى أو الشهداء، في منحهم موثوقية كبيرة وقدرة على الوصول الى الخبر اليقين.
توسع دور صحافة المواطن
في الأزمة الأخيرة، يعتمد الكثير من المتابعين على السوشال ميديا لتقصي الأخبار، كما تعتمد عليها وسائل الإعلام التقليدية. لذلك، توسع دور صحافة المواطن التي انطلقت من مواقع إخبارية مخّصصة لكل بلدة جنوبية لأخبار العزاء والأفراح، لكنها أخيراً، بدلت مهامها لتغطية الحروب.
يقول فارس لـ”المدن”: “كان إنشاء الصفحة كهواية بلا أيّ خبرة في التصوير ولا معدات، وحين بدأنا بنقل الأخبار الجنوبية، بدأ يُتابعنا 32 ألف متابع”. ويضيف: “نحاول أن نمدَّ الصحافيين بالمعلومات بشفافية وصدق، عبر وصلهم مع فعاليات البلدة ومحيطها كأرقام المخاتير ورؤساء البلديات، وتفاصيل حياتية عن نازحي البلدة والصامدين فيها”. ولفت فارس الى أن مراسلي “الوكالة الوطنية للاعلام”، هم أكثر الصحافيين بين وسائل الإعلام الذين يتواصلون معهم للتأكد من المعلومات التي تجري في المنطقة.
يقوم عدد من صحافيي البلدات الجنوبية بجهد تطوعي، لنقل الأخبار وبثّها في المنطقة الحدودية، حيث باتت معلومات هؤلاء الصحافيين المرجع الأول للمؤسسات الإعلامية والعربية والأجنبية. فالصحافي محمد زناتي، الذي يعمل كـ”فريلانسر” مع محطة الـLBCI و”صوت بيروت انترناشونال”، ما كان ليتوقع أن مجموعة “واتسآب” التي أنشأها في الانتخابات النيابية الماضية في منطقة الجنوب لمساعدة المراسلين في المنطقة، ستتحول إلى مصدر إخباري أول، تستخدمه وسائل الإعلام وصحافيوها، بشكل جاهز، من دون بذل أي جهد إضافي، باستثناء بعض الإعلاميين المتمتعين بالمهنية.
ويشير زناتي في حديثه لـ”المدن” الى أن “المجموعة تحوي أكثر من 180 صحافيّاً يتوزعون بين صحافيين ومراسلين لوسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، فيما معظمهم من صحافيي المناطق الجنوبية، وغالبيتهم تعمل كصيغة متعاقد حر (فريلانسر)، وينشط عملهم وقت الحروب والأزمات. وتُضاف إليهم مجموعة كبيرة من المواقع الإخبارية التي أنشئت بأسماء المناطق الحدودية في السنوات الأخيرة، كصفحة ميسيّات المتخصصة في ميس الجبل، وموقع حولا الإخباري، وموقع النبطية وغيرها، وتطغى عليها صحافة المواطن”.
يقول زناتي إن المنطقة الحدودية الجنوبية “تعاني شحّ أو انعدام الأخبار في الأيام العادية، والتعاطي المفاجىء مع الأحداث أدّى إلى سقطات إعلاميّة للعديد من الوسائل الإعلامية، إضافة إلى عدم الدقة في الأخبار المتداولة”. ويعطي أمثلة على وسائل إعلام كانت تنشر معلومات غير دقيقة في الأسبوع الأول من الأحداث الجنوبية، ومع استحداث مجموعة التنسيق، “استطاع عدد من محرري أخبار المنطقة، إنشاء شبكة علاقات تخوّلهم تتبع ومتابعة الأخبار بدقة”.
يقوم زناتي بعمل تطوعي في نقل الأخبار وتدقيقها، ويعدّها “واجباً مهنيّاً ووطنيّاً في المعركة مع العدو الإسرائيلي”. لا ينتظر منها بدلاً ماديّاً باستثناء ما تُكلفه به الوسائل الإعلامية التي يتعاون معها. وفي سؤال له عن حقوقه الملكية في الصور والفيديوهات التي يصوّرها أو المعلومات التي يحصل عليها، يقول: “كل ما أطلبه من وسائل الإعلام أو المصورين تداول المشاهد والمعلومات، من دون بيعها أو المتاجرة بها، أو أقلّه وضع أسماء المصورين. لكني في الفترة الأخيرة بتُّ أرسل الفيديوهات مع اللوغو والاسم كي لا يتم بيعها لوكالات أجنبية”.
“مجموعة التنسيق الإعلامي”
ينتقد زناتي، من خلال “مجموعة التنسيق الاعلامي” التي يديرها، “العمل المتهور، أو السعي وراء السكوب الصحافي الذي يحاول عدد من الصحافيين المتواجدين في المجموعة القيام به” لجهة أنهم “يتكلون على تواتر الأخبار الجنوبية ونشر الأخبار قبل التدقيق فيها مرة ثانية، لا سيما تلك التي يرسلها الأهالي. فهم فقط يسعون إلى نشر أسماء وصور الشهداء والضحايا، من دون انتظار البيانات الرسمية”. ويختم: “في الحرب لا يوجد سكوب، هناك دقة ومهنية مطلوبة من الجميع”.
التدقيق في المعلومات
من جهتها تقول الصحافية إيفانا الخوري، التي تعمل في موقع “السياسة”، إن “العمل في المواقع الالكترونية تلزمه معلومات معززة، فلا قدرة لتواجد الصحافي على الأرض باستمرار. وفي الأيام الأولى من الحرب، كان هناك نقص إخباري لدى المواقع الإلكترونية، وكان هناك ضياع في المعلومات لعدم أخذ الأحداث الجنوبية بجديّة”.
لكن موقع التنسيق الإعلامي في الجنوب، مكّنها من الحصول على المعلومات الأولية، والتي هي بحاجة إلى تدقيقها ثانية. وترى أن “ليس كل ما يُنشر صحيحاً، وكمية الأخبار المغلوطة التي انتشرت كان يصعب نفيها”. وتعطي الخوري أمثلة كثيرة على إصرار العديد من الوسائل الإعلامية على نشر أخبار كاذبة، “كقصة طلب حزب الله من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل الانسحاب من الجنوب. فهذا الخبر انتشر بشكل متسارع وكبير، لم يحظَ نفيُه بالزخم نفسه من الترويج”.
تنشط الخوري أيضاً في “مجموعة التنسيق الإعلامي”، وتقول إنها تجربة صعبة، كون الوسيلة الوحيدة للتواصل هي الهاتف، وتواجدها في مكان بعيد والظروف الأمنية الصعبة في الجنوب، قد تؤخرها في الحصول على إجابات دقيقة. وعند حصولها على المعلومات الصحيحة لم تكن توفرها لنفسها، بل تشاركها مع العديد من الزملاء.
من هنا تشير الخوري الى ان “عمل الصحافيين في بعض المواقع الإلكترونية مغيّب، وقد يُستخدم عملهم والأخبار الموجزة التي يعملون عليها، بشكل تلقائي، عبر قصّها ولصقها في مكان آخر، من دون أيّ مراعاة لجهد هؤلاء الزملاء”. وتتحدث الصحافية الشابة، عن الاستغلال الذي يتعرض له العاملون في المجال الإعلامي، قائلة: “يتم التعاطي تلقائياً في الأحداث الطارئة، بمباشرة العمل على مدار الساعة وبلا إجازات، وبلا تعديل في الأجور أو لحظ إضافات مالية مخصصة للعمل الإعلامي في الأزمات والحالات الطارئة”.