كتب فؤاد بزي في “الأخبار”: في أقل من شهر، تخطّت مساحة الأحراج المحروقة نتيجة قصف العدو الإسرائيلي بالفوسفور الأبيض مجمل ما احترق من أراضٍ لأسباب «طبيعية» عام 2022. «49 قذيفة فوسفورية، و75 قنبلة مضيئة حارقة أُطلقت على لبنان حتى 19 الشهر الماضي»، بحسب مركز الاستشعار عن بعد في المجلس الوطني للبحوث العلمية، تسببت في حرائق أتت على «5.14 مليون متر من الأحراج»، بينما «لم تأتِ الحرائق المسمّاة طبيعية على أكثر من 3.5 مليون متر مربع من الأحراج عام 2022»، وفقاً لمدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري. أكثر المناطق تأثراً كانت علما الشعب التي احترق فيها أكثر من 2.6 مليون متر مربّع من بساتين الحمضيّات والموز وأشجار الزيتون وغابات السنديان الكثيفة التي نالت الحصّة الأكبر من النيران (1.8 مليون متر مربع).لكنّ خطر الفوسفور الأبيض لا ينتهي مع انقشاع الدخان الأبيض الكثيف الناتج عن احتراقه. فـ«الخسارة ثقافية واقتصادية»، بحسب متري الذي قدّر مساحة بساتين الزيتون المحترقة بمليوني متر مربع. والتعويض عن الزيتون «صعب، فالأشجار المحترقة تُعدّ من الأشجار المعمّرة، والشجر الصغير لا يعوّضها». وعن الأثر المباشر على الأراضي الزراعية، جزم تقرير الأثر الاجتماعي البيئي لاستخدام الفوسفور الأبيض الصادر عن الجامعة الأميركية في بيروت بـ«انخفاض إنتاجيتها خلال السنوات المقبلة». كما أنّ النبات المتبقي لن ينجو من نواتج الفوسفور التي تترسّب في الأرض وتسبّب ذبولاً ويباساً وتهدّد التنوع البيولوجي بسبب تغيير التركيبة الكيميائية للتربة. ولا يقتصر تهديد الفوسفور الأبيض على الأراضي التي تُقصف مباشرة بالمادة، وفوق الأرض، بل «ستكون له عواقب وخيمة»، بحسب تقرير الجامعة الأميركية، إذ يتخطّى أثر القصف المنطقة المستهدفة ليطال مجموعات سكانية أكبر.
فالمادة المترسّبة في الأرض تنتقل إلى المياه الجوفية مع الأمطار وتلوثها بـ«حمض الفوسفريك»، أحد نواتج احتراق الفوسفور، والذي يؤدّي تراكمه في التربة إلى استنفاد خصوبتها. ويمكن أن يتضاعف تأثير الفوسفور في حال وصول مياه الأمطار التي تحمله إلى المسطّحات المائية المفتوحة كالبرك الزراعية والسواقي الصغيرة، فيحوّل هذه الموارد المائية المستخدَمة في الري إلى «برك بكتيرية» كونها تسهم في تسريع النمو المفرط للطحالب، ما يعرّض المحاصيل الزراعية والماشية للخطر، ولا يُستثنى من ذلك البشر أيضاً. ففي مطلع الشهر الماضي، نُقل عدد من المصابين من منطقة ضُربت بالفوسفور الأبيض إلى المستشفى الإيطالي في صور بعدما عانوا من التقيؤ والتعرّق الشديدين. وبحسب الأخصائي في طب الطوارئ والعناية الفائقة الدكتور محمد مصطفى، فإن هؤلاء «تنشّقوا الفوسفور فقط، ولم يصابوا بحروق مباشرة، ولو بقوا لمدّة أطول في المكان لماتوا اختناقاً».