هل يُدخل “حزب الله” لبنان من جديد في “حرب مساندة”؟

عندما تعرّض لبنان لأبشع المجازر على يد إسرائيل في حربها الأخيرة لم تتدّخل طهران لمساندة حلفائها في لبنان، الذي كان يحترق كما تحترق اليوم معظم المدن الإيرانية، وكذلك المدن الإسرائيلية في حرب تتخذ في بعدها العقائدي أبعادًا “تلمودية” من قِبل إسرائيل، وخلفيات لها علاقة تاريخية ودينية من قِبل إيران.
ولكن يحقّ لجميع اللبنانيين أن يسألوا إلى متى سيبقى لبنان محيّدًا عن هذا الصراع الوجودي بين دولتين يبدو أنهما ذاهبتان في خياراتهما نحو التصعيد المفتوح، مع ما يخّلفه هذا التصعيد الهستيري من نتائج لن تبقى محصورة تداعياتها عليهما وحدهما، خصوصًا أن اقتصاد المنطقة سيتأثر كثيرًا بمفاعيل هذه الحرب، التي يحاول العالم وضع حدّ لها، وذلك نظرًا إلى أنها تهدّد في شكل مباشر الاستقرار العام في المنطقة، التي باتت تقف على حافة بركان يغلي، وبالتالي فإن الاستقرار في العالم كله سيكون مهدّدًا في شكل أساسي إذا لم يتمّ التوصل إلى لجم هذا الجنون غير المحدود لا بالزمان ولا بالمكان.
من حقّ اللبنانيين، الذي عانوا أكثر من غيرهم من شعوب المنطقة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ومن التدخلات الإيرانية في شؤونهم الداخلية عبر تقوية فريق على الأفرقاء الآخرين، أن يكونوا في منأى عن وهج هذه الحرائق. ومن حقّهم أيضًا أن يطالبوا بأن يكون بلدهم محايدًا ومحيّدًا إلى أقصى درجات الحياد في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل.
ولكن المعلومات المتداولة عن أن “حزب الله” قد أعاد تنظيم صفوفه، وهو بات على أهبة الاستعداد لمساندة إيران في حال طُلب منه ذلك، تدعو إلى الخشية من إدخال لبنان مرّة جديدة في حرب لن تكون مفاعيلها مشابهة لتلك التي خبروها خلال السنتين الماضيتين، وقد لا تكون هذه الحرب هذه المرّة، وفق ما يقوله أكثر من خبير عسكري، محصورة بمناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، بل قد تشمل كل البنى التحتية اللبنانية، من مطار ومرافىء وجسور وطرقات إمداد وتواصل ومعامل توليد الطاقة وسواها، لأن إسرائيل سبق لها أن حمّلت الحكومة اللبنانية مسبقًا مسؤولية إطلاق النار من الأراضي اللبنانية في اتجاه الشمال الإسرائيلي، وأن عليها أن تتحمّل أوزار أي عمل تعتبره عدائيًا في اتجاه أراضيها.
ولكن في المقابل، فإن المعلومات المتداولة تفيد بأن الاتصالات التي يجريها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون مع جميع الأطراف، ولا سيما مع الرئيس نبيه بري، باعتباره “الأخ الأكبر” لـ “حزب الله”، تشدّد على حتمية عدم تحريك الجبهة اللبنانية، أيًّا تكن المبررات والظروف، خصوصًا أن ما يصل إلى لبنان الرسمي من رسائل ومعلومات تؤكد أن الردّ الإسرائيلي سيكون أشدّ عنفًا وضراوة هذه المرّة من المرّات السابقة.
فإذا قرّر “حزب الله” إدخال لبنان مرّة جديدة في حرب إسناد لإيران، وهي تقول حتى الآن أنها لا تحتاج إلى هذه المساندة، يكون قد ذهب في خياراته إلى أبعد الحدود، ويكون قد أحرق بالتالي كل الجسور الباقية لإمكانية الترميم بينه وبين المكونات السياسية الأخرى في البلاد الرافضة زجّ لبنان في حرب ستكون هذه المرة قاصمة لما تبّقى له من آمال النهوض من كبواته الكثيرة والمتراكمة.
