
لا شك أن الطائرات المسيّرة أصبحت في السنوات القليلة الماضية سلاحًا فتاكًا في ساحات القتال، نظراً لصغر حجمها، وصعوبة رصدها واكتشافها، فضلًا عن قدرتها على توجيه ضربات دقيقة وفعّالة.
لكن عندما تُطلق من داخل أراضي العدو، فإن أثرها يتضاعف عسكريًا ومعنويًا، كما حدث حين استهدفت أوكرانيا أربعة مطارات روسية مؤخرًا بعد إدخال طائرات مسيّرة عبر شاحنات إلى العمق الروسي.
السيناريو ذاته تكرّر في إيران، حيث نشر الجيش الإسرائيلي مشاهد لعمليّات أطلقها عناصر من الموساد من داخل الأراضي الإيرانية، يوم الجمعة الماضي، باستخدام طائرات مسيّرة.
في خطوة مفاجئة، هاجمت المسيّرات الإسرائيلية مواقع عسكرية إيرانية، بعدما انطلقت من داخل إيران نفسها. واعتبر خبراء ومحللون أن هذا التطور يمثل نقلة نوعية في تكتيكات الحروب.
فبينما لطالما شكّلت أعمال التجسس والعمليات السرية جزءًا من النزاعات، فإن تهريب وتصنيع المسيّرات خلف خطوط العدو يمثل أسلوبًا جديدًا ومباغتًا في إدارة المواجهات.
وقد أعادت هذه العملية إلى الأذهان الهجمات الأوكرانية داخل روسيا، إذ نجح العملاء الإسرائيليون في إدخال طائرات مسيّرة إلى الأراضي الإيرانية، ما منح تل أبيب تفوقًا تكتيكيًا كبيرًا.
بحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن العملية جاءت ثمرة سنوات طويلة من التحضير والتخطيط، شملت عمليات كوماندوز داخل طهران، التي شهدت يوم الجمعة انفجارات عنيفة، واغتيالات، وضربات طالت مبانٍ سكنية.
وأكد المسؤولون أن إسرائيل أمضت أشهرًا في تهريب قطع غيار لمئات الطائرات المسيّرة من نوع كوادكوبتر ومروحيات مفخخة، داخل حقائب وشاحنات وحاويات شحن، بالإضافة إلى ذخائر تُطلق من منصات مسيّرة.
وأضافوا أن فرقًا صغيرة مجهزة بالمعدات انتشرت قرب مواقع دفاع جوي ومرافق إطلاق صواريخ إيرانية، وتولت خلال الهجوم تدمير الدفاعات الجوية، فيما استهدفت فرق أخرى منصات إطلاق الصواريخ لحظة تحركها، وفق ما نقلت وول ستريت جورنال.
وكشف المسؤولون أن الموساد استخدم قنوات تجارية وشركاء أعمال دون علمهم لتهريب المسيّرات، على غرار ما فعله حزب الله في عملية “البيجر” الشهيرة. كما دربت إسرائيل قادة هذه الفرق في دول ثالثة، قبل أن يُوزع العملاء الذخائر داخل إيران.
وبحسب خبراء، فإن الطائرات التي استُخدمت شملت نماذج صغيرة من نوع كوادكوبتر، قادرة على حمل قنابل أو عبوات متفجرة رغم حجمها المحدود.
حذّرت وسائل إعلام إسرائيلية، بينها جهات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، من استخدام إسرائيل لشاحنات نقل لإطلاق طائرات مسيّرة، معتبرة أن هذا النمط الجديد من الهجمات يعكس مستوى المباغتة والتخفي في التخطيط.
وفي السياق ذاته، قال فرزان ثابت، المحلل المختص في الشأن الإيراني وتسليح المسيّرات بمعهد الدراسات العليا في جنيف، لصحيفة نيويورك تايمز: “المسيّرات أدوات في نهاية المطاف، وقيمتها تعتمد على الحنكة والإبداع في استخدامها. هذا التطور طبيعي، ولا يمثل سوى لمحة مما هو قادم.”
وأضاف ثابت أن تهريب الطائرات المسيّرة على مراحل وبشكل مفكك يزيد من صعوبة اكتشافها، وهو ما يجعلها مثالية في العمليات السرية.
مع ذلك، شدد ثابت على أن تطور هذا النوع من الحروب سيقابله تطور في وسائل التصدي، سواء من خلال حلول بسيطة كأغطية محصنة للمعدات، أو عبر أنظمة دفاع متقدمة قادرة على إسقاط أو تشويش المسيّرات.
كما أشار إلى أن إيران تطور حاليًا منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات قادرة على رصد التهديدات بزاوية 360 درجة، لكن في حال كانت هذه الأنظمة فاعلة فعلاً، لكان يفترض أن تكتشف الهجوم الإسرائيلي، خاصة أن الطائرات انطلقت من بضعة كيلومترات فقط داخل الأراضي الإيرانية.
يؤكد الخبراء أن أوجه الشبه بين تكتيك إسرائيل في إيران وما فعلته أوكرانيا في روسيا توحي بأن هذا النوع من العمليات سيُستخدم في نزاعات أخرى، إلى أن تظهر استراتيجيات أكثر تطورًا أو تخفيًا.
وقد علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مساء الجمعة، على الهجوم، مؤكدًا أن عنصر المفاجأة كان جوهر نجاح العملية، مشيرًا إلى أن إسرائيل نفذت عمليات مشابهة في لبنان في سبتمبر الماضي، حين استُخدمت أجهزة بيجر وهواتف محمولة محشوة بالمتفجرات لاستهداف عناصر من حزب الله.
وقد استشهد عدد من خبراء الاستخبارات الغربيين بهذه العمليات في مقارنة مباشرة مع الضربة الأوكرانية المفاجئة في روسيا، معتبرين أن الحرب تغيّرت جذريًا بفعل التكنولوجيا.