
أعلنت المفوضية الأوروبية، أمس، إدراج لبنان ضمن قائمة الدول “عالية المخاطر” في ما يتعلق بغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وجاء هذا القرار ضمن تحديث دوري للقائمة السوداء.
في هذا الإطار، يرى الباحث الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث إلى “ليبانون ديبايت” أن القرار الصادر مؤخرًا يُعد بمثابة جرس إنذار جدّي للسلطات اللبنانية، ويفرض ضرورة التحرك السريع من جميع الجهات المعنية، بالتعاون مع مصرف لبنان والمصارف، من أجل معالجة الثغرات القائمة.
ويعتبر أن إدراج الاتحاد الأوروبي للبنان بهذا الشكل مؤشر غير إيجابي أو جيد. وعلى الدولة اللبنانية أن تكون حذرة، خاصة أن خطر إدراج لبنان على اللائحة الرمادية ضمن مجموعة العمل المالي “فاتف” بات واقعيًا. وفي حال لم تُنفّذ الإصلاحات المطلوبة خلال الأشهر القليلة المقبلة، فإننا نتجه نحو احتمال الإدراج على اللائحة السوداء، ما يعني تداعيات خطيرة على الوضع المالي والاقتصادي برمّته.
من وجهة نظره، فإن الركيزة الأساسية لمعالجة هذه الأزمة تبدأ بإقرار قانون الانتظام المالي، إلى جانب معالجة الفجوة المالية، لإعادة الانتظام لعمل المصارف، لأن انتظام العمل المصرفي هو الحجر الأساس لمعالجة كل ما يتعلق بتمويل الإرهاب، وتبييض الأموال، والاقتصاد الموازي أو الكاش، والتهرب الضريبي.
وبرأيه، معالجة الخلل في القطاع المصرفي وإعادة الثقة، يتيح للمصرف المركزي أن يُعطي فرصة للمصارف لضبط الوضع أكثر ويعيد الثقة في مكان معين، وبانتظار ذلك هناك عدة إجراءات يجب اتخاذها.
ويذكّر في هذا الإطار أن الحكومة شكّلت لجنة برئاسة وزير العدل لمتابعة هذا الملف، إلا أن اللجنة لم تقم بأي إجراء قانوني، وعليها أن تسرع بالإجراءات القانونية المناسبة.
من ناحيته، قام مصرف لبنان بدوره الكامل وفق مجموعة “فاتف”، فالمصرف المركزي عدا التعميم 165 يمتلك قدرة رقابية متقدمة على الأسواق في موضوع الشفافية النقدية، كما أن المصارف تقوم بالتدقيق في أموال الداخلين الجدد إلى القطاع المصرفي، ومعرفة مصادر التحويلات القادمة من الخارج.
ورغم كل ذلك، الاتحاد الأوروبي سيعتبر ذلك غير كافٍ، وهناك مطالبات إضافية، موضحًا أن إقرار قانون السرية المصرفية يعطي مؤشرات إيجابية، لكن يجب أن يُستكمل بقانون الانتظام المالي والفجوة المالية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي من أجل حل هذا الأمر.
والأمر ينسحب على موضوع التهرب الضريبي والجمركي، الذي يجب إيجاد آلية سريعة للحد منه، لأنه الأساس في التهريب الذي يحصل عبر الحدود وفي الجمارك داخل المرافئ، لأن ذلك يشكل مدعاة للخوف من عمليات تبييض أموال، لأنه لا يتم تسجيل كافة العمليات عبر وزارة المال أو المصرف المركزي، لذلك المطلوب إيجاد حل لهذه المعضلة.
ولا ينفي أن الدولة بدأت بإجراءاتها عبر إقرار قانون السرية المصرفية في مجلس النواب، والحكومة بصدد إعداد خطة الانتظام المالي، على أن تُستكمل بمعالجة الفجوة المالية بالتعاون مع المصرف المركزي لقرّرها بسرعة، حتى نصل إلى نتيجة أساسية، وهي إعطاء الثقة للمجتمع الدولي والأوروبي، بمعنى أن لبنان على طريق معالجة هذا الأمر.
وفي حال عدم حصول ذلك، فإن التداعيات ستكون صعبة، رغم ذلك، يطمئن بأن المصارف المراسلة العالمية لا تزال تتعامل مع لبنان، وهي تترقّب نتائج التقييم النهائي لـ”فاتف” بعد ستة أو سبعة أشهر من الآن، فإذا حصل ذلك فسيبقى لبنان يتعاطى مع هذه المصارف بطريقة طبيعية، ولا يؤدي إلى خنق التحويلات بالمطلق، لا سيما ما يتعلق بالاستيراد والتصدير.
لكن في المقابل، يُنبه إلى أن الاتحاد الأوروبي بعد قراره الأخير، سيُترجم بتشديد كبير على حركة الأموال من أوروبا إلى لبنان وبالعكس، وستُحصل عملية تضييق على هذه التحويلات، التي ستخضع لرقابة صارمة على مصادر الأموال ومآلاتها، وهو ما قد ينعكس سلبًا على القطاع التجاري والاستيرادي.
وبرأيه كخبير مالي، يمكن للبنان أن يتلافى هذا الأمر، والتداعيات الأشد، إذا قرر السير بالإصلاحات المالية المطلوبة فورًا، وبأسرع وقت ممكن.