أخبار سياسية

المفتي قبلان متوجها الى “الاخوة العرب”: لا نريد صداقات والتزامات تمزّق بلدنا

 ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة العيد من على منبر مسجد الإمام الحسين، في برج البراجنة بعد تأدية صلاة عيد الاضحى، وهذا نصها: “ألا وإن اليومَ موعد للحجيج المنتشر بأعظم النسك العابر من دنيا المادة الى عالم الملكوت الأكبر، وفق حقيقة: { وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}، وخير العيد ما كان وصلاً مع الله، وعملاً يلقى الانسانَ بسفر قيامته، وتوظيفاً للخير والمنافع، وتأكيداً للبرّ والعدالة، وترسيخاً للأمن والأمان، وتثبيتاً للشكر لله الخالق العظيم، وضبطاً للذات والإمكانات بما يعود على ناسنا وأمتنا ومختلف حاجاتنا المادية والمعنوية حتى نلقى الله تعالى بكل ما لدينا من جعبة الأيام. ولذلك بالمنطق الإلهي: لا يمكن فصل العيد عن محنة البشر، كما لا يمكن عزل الدين عن وجع الإنسان وميادين ظروفه ومتاعبه، وخرائط كياناته، وطبيعة توازناته المفجعة. والقضية هنا الانسان بلقمة عيشه وإشباعات روحه، وموقع عدالته، وطبيعة نظامه السياسي وبيئته الاجتماعية ونتاجه الإنساني والفكري والأخلاقي، بعيداً عن الظلم والفساد ومختلف ميادين القهر والاضطهاد. والعالم اليوم كما ترون من فساد الى فساد، ومن ظلم الى ظلم، وسط حضارة تقوم على الاستغلال والاستهداف والاستنزاف ونهب الموارد وقهر الشعوب وخراب البلاد والأوطان. ولأن اللحظة الآن مع الله، فإن الله تعالى يُقدّم العيدَ بمنطق يضع الانسان بين يدي ربّه ليَجرد عليه واقع الأرض وطبيعة توظيفاتها، وأين هو من صرخة البشر، ووجع الأمم، والتيه الفكري والحضاري، وهنا يكمن موقع الدين سواءً بالإسلام أو المسيحية، لأنه يبدأ بسماوية الإنسان، وقيمته المقدّسة، وأنفاسه الروحية، وذاته المجبولة بالرحمة والمودة، وهذا جوهر الرسالات السماوية، وهو موقع حاجتنا الماسّة في هذا البلد الذي يعاني من طعنات الصراع الدولي والإقليمي، وهو ما يفترض بالمسجد والكنيسة التضامن الشامل لعون خلق الله، وإغاثة المظلوم والمكروب والمضطهد، وما أكثر المضطهدين والمظلومين بدنيا الإنسان”.

وتابع: “بخلفية هذه الحقيقة، أتوجّه للقوى السياسية والعائلة اللبنانية في هذا البلد لأقول: نحن لسنا بلحظة وطنية تاريخية فقط، بل بلحظة إقليمية معقّدة وغامضة وشديدة المخاطر، والمفروض حماية لبنان كوطن وعائلة لبنانية، ومنع اللعبة الدولية عن واقع بلدنا المأزوم، والعين في هذا المجال على محبة الكنيسة ورحمة المسجد وحرّاس المصالح الوطنية، وما يليق بأتباع هاتين الديانتين الكريمتين لإنقاذ البلد من دهاليز السياسة الإقليمية والدولية، وهنا تكمن مسؤولية الخطاب الوطني والمشروع الحكومي، والحكومة في هذا المجال مطالبة بسياسات وطنية وخيارات لبنانية تليق بحاجات الظرف المحلي والدولي الصارخ، وأيّ خطأ في مواقف الحكومة الوطنية يضع البلد كلّه في مأزق، واعلموا أن العالم ليس جمعية خيرية، وبلدنا موجود ضمن غابة دولية تعتاش على الدم والخراب والاستنزاف الاقتصادي والسياسي. إن ما تقوم به إسرائيل هو طغيان وحشي وجرائم سيادية موصوفة وسحق لقرار وقف إطلاق النار، من وراء بسمة أمريكية ودعم لا محدود، وردّنا هو المزيد من التمسك بالمقاومة والالتفاف حولها، وتأكيد لخيارها الوطني والسيادي، وقيمة لبنان من قيمة الجيش والمقاومة والإصرار الوطني الشامل على التضحية من أجل لبنان، والدولة مطالبة بمواقف حازمة من الضامن الأمريكي الذي لا يجيد إلا الغدر، ولا قيمة للبنان بلا قوة سيادية تكافح من أجل سيادة هذا البلد”.

واضاف متوجها الى “الإخوة العرب”: “لبنان دفع عن قضايا العرب والمنطقة أغلى الأثمان طيلة عقود طويلة وما زال، وما قدّمه في سجلّ قضايا العرب لم تُقدّمه دولة بالإقليم على الإطلاق، وما قدّمته المقاومة يفوق كل ما قدّمه العرب مجتمعين طيلة نصف قرن وما زالت، والمطلوب من دول المنطقة الكفّ عن شؤون لبنان الداخلية، وقصة شقيق وصديق يجب أن تصبّ في صالح العائلة الوطنية، وإلا مزّقت البلد، ولا نريد صداقات والتزامات تمزّق بلدنا، الحكومة مطالبة بتقديم سياسة واضحة حول المصالح الوطنية الميثاقية والسيادية، وعلى رأسها ما يجري في الجنوب اللبناني والضاحية والبقاع، واليوم لا ملف أهم من الملف الأمني والإعماري في الجنوب، والمناسبة الآن بشهر حزيران، وشهر حزيران يُذكّرنا بالاحتلال الإسرائيلي التاريخي لبيروت عام 1982، ولولا الملحمة السيادية التي قدّمتها المقاومة لكُنّا الآن أمام احتلال إسرائيلي شبيه باحتلال عام 1982. وبهذا السياق يجب أن لا ينسى اللبنانيون انتفاضة 6 شباط التي استعادت الدولةَ من قبضة الاحتلال الإسرائيلي، وللتاريخ والعائلة اللبنانية أُذكّر أن ما قامت به المقاومة سيما حركة أمل وحزب الله بل وكل الجهات التي بذلت أعظم ما لديها لإنقاذ وحماية لبنان من أخطر المشاريع الصهيونية منذ العام 1982 وحتى هذه اللحظة هو أهم فعل تاريخي ضامن لهذا البلد بعد نشأة لبنان، والآباء الأوائل الذين نهضوا بنشأة لبنان هم الأساس الأول للقيمة الوطنية والعائلة اللبنانية، ولأن الحفاظ على لبنان يفترض الحفاظ على أخطر مناطقه الساخنة، لذلك على الدولة اللبنانية أن تعلم بأنّ شبكة المصالح الوطنية تاريخياً تبدأ من الجنوب اللبناني بحكم موقعه وتضحياته من قضايا المنطقة الساخنة سيما القدس وفلسطين، والقيمة الوطنية تبدأ من الجنوب وتعود إليه، وهناك من صارح الحكومة والدولة اللبنانية (من دول المنطقة الموثوقة) بأنه على استعداد فعلي للبدء مباشرةً بورشة إعمار شاملة، ولذلك المطلوب من الحكومة أن تكون واضحةً مع شعبها بالجواب، والالتزامات الدولية التي تمنع الحكومة من قبول عروض إعادة إعمار الجنوب والضاحية والبقاع إنما تريد تمزيق لبنان وطمره بالأزمات الهيكلية والوطنية، وليس مقبولاً رفض مبادرات إعمار الجنوب والضاحية والبقاع، خاصةً أننا في بلد يعاني من كارثة مالية، ونكبة اقتصادية وحصار دولي إقليمي، يمنع إنعاش قطاعاته المختلفة، فيما العين على استنزاف لبنان وتدمير موقعه السياسي والأخلاقي”.

وتوجه الى الحكومة: ” لا بدّ من انتشال لبنان داخلياً، وواقع البلد وإمكاناته الداخلية تسمح بمشاريع إنعاش اقتصادي وسياسات تنموية وريادية، المطلوب تحديث الأنظمة الاستثمارية واستغلال أصول الدولة، وتشريك القطاع الخاص، وكبح مارد الفساد، ودعم الصناعات الإبداعية والدوائية، وتحفيز المنصات والمشاريع الرقمية، ولا نهوض اقتصاديا بلا أمن وقضاء مستقل، ومن دون فعالية قوانين مكافحة الفساد لا اقتصاد ولا ثقة ولا قيام للدولة ومشروعها. وفي هذا السياق يجب رقمنة المعاملات الحكومية والدخول في العصر الرقمي، وإلا تحول البلد الى خردة من فساد ورشوة وفشل وانهيار، وكل ذلك يمرّ بسياسات وطنية وورش فكرية ورعائية، ونيّة حكومية جادّة لبناء المواطن اللبناني بعيداً عن تسونامي الكسل والدهاليز والفساد، وسط بلد بلا أنظمة اجتماعية، ولا قيمة تقاعدية، ولا سياسات رعائية وإنسانية، والانتخابات على الأبواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى