أخبار محلية

تضخم وإنهيار… الأمن الاجتماعي يدق ناقوس الخطر!

"ليبانون ديبايت"

 

منذ نهاية عام 2019 وحتى نهاية نيسان 2025، شهدت البلاد انفجارًا غير مسبوق في الأسعار شمل مختلف القطاعات الأساسية، بحسب الأرقام الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي. فقد تضخّمت أسعار الغذاء وحدها بنحو 260 ضعفًا، فيما تضاعفت أسعار الصحة والتعليم 52 و38 مرة على التوالي. أما أسعار النقل، الإيجارات، الترفيه والسياحة، فقد ارتفعت بمعدّل 62 ضعفًا، في وقت ارتفع فيه سعر صرف الدولار من 1507.5 ليرات إلى نحو 89,500 ليرة، أي بما يقارب 58 ضعفًا، هذه الأرقام تُظهر أن ارتفاع الأسعار لم يعد مرتبطًا فقط بتقلبات سعر الصرف، بل بات يعكس أزمة تضخمية عميقة تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وفي هذا السياق، يؤكّد الخبير الاقتصادي أحمد جابر، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن “للتضخم انعكاسات سلبية مباشرة، أبرزها تراجع القدرة الشرائية لدى أصحاب الدخل المحدود، في مقابل تحسّن نسبي في القدرة الشرائية لأصحاب المهن الحرة، ما يؤدي إلى اتساع الفجوة الاجتماعية”.

ويشرح جابر أن “التضخم يُضعف القدرة الشرائية للمواطنين ذوي الدخل الثابت، فيما يستفيد أصحاب المهن الحرة من تقلبات الأسعار لتحقيق أرباح إضافية، ما يفاقم من التفاوت الاجتماعي”.

ويتابع: “جميعنا نلمس اليوم نتائج هذا التفاوت. فقد تآكلت الطبقة الوسطى بشكل ملحوظ، ولم يعد المجتمع يضم سوى فئتين: فقراء وأغنياء، مع تزايد مستمر في نسبة الفقراء مقارنة بالأغنياء. وهذا الواقع ينذر بمزيد من التفتت في البنية الاجتماعية ويهدد الأمن الاجتماعي”.

ويضيف: “عندما يزداد التفاوت الاجتماعي، لا شك أن الأمن الاجتماعي يصبح عرضة للخطر، وهذا مرتبط بشكل مباشر بمشكلة التضخم. إذ لدينا نوعان من التضخم: التضخم البطيء والتضخم السريع”.

ويُوضح أن التضخم البطيء يُعدّ في بعض الأحيان مؤشراً طبيعياً للنمو الاقتصادي، حيث يرافقه ارتفاع في فرص العمل والمداخيل، مما يُعزز القدرة الشرائية. وعند زيادة الطلب على السلع والخدمات، قد ترتفع الأسعار بشكل طفيف، ويُعتبر هذا النوع من التضخم طبيعياً في سياق اقتصادي صحي، أما التضخم السريع، كما هو الحال حاليًا في لبنان، فهو غير صحي ومقلق، إذ ترتفع الأسعار بوتيرة غير طبيعية نتيجة عدة عوامل، أبرزها:

-تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار، ما أدى إلى تراجع حاد في القدرة الشرائية.

-غياب الرقابة الفعالة على الأسواق، ما سمح بارتفاع عشوائي للأسعار وتعظيم غير مبرر للأرباح من قبل بعض التجار، في ظل غياب دور فاعل للوزارات المعنية أو البلديات.

-ارتفاع الضرائب والرسوم، خصوصًا بعد قرارات حكومية رفعت أسعار المحروقات.

ويشير جابر إلى أن “هذا الواقع ينعكس سلباً ليس فقط على المواطن، بل أيضًا على المؤسسات الاقتصادية التي تعتمد في إنتاجها على مصادر طاقة مكلفة، ما يُضعف من قدرتها التنافسية ويُراكم الأعباء، ويزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ويُفاقم تآكل الطبقة الوسطى”.

ويلفت إلى أن “الدولة قد تستفيد جزئيًا من هذا الوضع عبر زيادة إيراداتها من الرسوم على المحروقات، إلا أن هذا ليس حلاً مستدامًا”، قائلًا: “صحيح أن الدولة بحاجة إلى إيرادات لتغطية نفقاتها، لكن الاعتماد على إجراءات ضريبية فقط لمعالجة الأزمة هو أمر غير كافٍ”.

ويتابع: “غالبًا ما يكون التضخم نتيجة خلل في التوازن بين العرض والطلب. وعندما يفوق الطلب حجم العرض، ترتفع الأسعار تلقائيًا، وهو ما نشهده حاليًا في العديد من القطاعات”.

ويختم جابر بالتأكيد على أن “الحل الجوهري يكمن في تحقيق توازن فعلي بين العرض والطلب، وهذا يعني ضرورة تعزيز الإنتاج المحلي بما يتناسب مع مستوى الطلب. فعندما يرتفع الإنتاج المحلي، يمكن تلبية الحاجات الاستهلاكية، ما يسهم في تثبيت الأسعار، ويحمي القدرة الشرائية، ويحد من حدة التفاوت الاجتماعي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى