وزير يتصدّى لمزاريب الهدر في إدارات وزارته… المرفأ ليس الكازينو
قليل من الوزراء من يلتزم بأحكام القانون ويعمل تحت سقف الشفافية في تطبيقه واحترامه ويرفض قفز بعض الإدارات التابعة لوزاراته فوق هذه القوانين، حتى ولو إعتادت تلك الإدارات استباحة القوانين بتغطية حكومية سابقة أو حالية، ومحاولة التملّص من الخضوع لهيئة الشراء العام.
لن ينصاع الوزير لضغوطات اللجنة، والمرفأ لن يكون صورة ثانية عن كازينو لبنان الذي تمرّد حتى على القانون وقرارات مجلس الوزراء ورفض التقيد بهيئة الشراء العام، ليبقى الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود لجهة الإيرادات التي يحرم الكازينو الخزينة منها.
ومن هذا المنطلق، رفض وزير الأشغال الدكتور علي حمية قرار لجنة إدارة وإستثمار مرفأ بيروت والمتضمن تأكيدها على وقف العمل بأحكام قانون الشراء العام في عمليات الأشغال واللوازم والخدمات والعودة إلى تطبيق الأصول الخاصة بأنظمتها المالية السابقة وطلب منها ضرورة التقيد بالتعميم رقم 2022/5 لجهة تطبيق أحكام قانون الشراء العام في جميع عمليات الشراء من لوازم وأشغال وخدمات الخاصة بها ،كما واتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق كافة حيثيات مواد هذا القانون ومنها:
-ضرورة إيداع الوزارة كافة المعلومات الواردة في المادة 9 من القانون لإيرادها على سجل الشراء العام الموحد.
– عدم السير بأي عملية شراء من لوازم أو أشغال أو خدمات قبل إيداعها الوزارة لعرضها، أصولاً على هيئة الشراء العام وتسجيلها في السجل الخاص.
وحذّر من أن أي مخالفة لمضمون هذا الكتاب يُعرض مرتكبها للإجراءات والتدابير المناسبة وفقاً للأحكام والقوانين النافذة لاسيما أحكام المادة 111 الفقرة 4 من قانون الشراء العام لجهة إلزام الجهات الشارية بإبلاغ الهيئات الرقابية المختصة بالمخالفات المرتكبة من قبل الموظفين العاملين لإتخاذ الإجراءات اللازمة حتى الملاحقة الجزائية أمام المحاكم المختصة.
وكانت لجنة إدارة المرفأ وجهت كتاباً إلى وزارة الأشغال أعلنت فيه أن المرفأ هو مرفق عام تجاري واقتصادي Service public industriel et commercial، وفق ما أكده قرار محكمة التمييز بالقرار رقم 22 تاريخ 2003/3/20 بأن “إدارة وإستثمار مرفأ بيروت تدير لحساب الدولة مرفقاً عاماً إستثمارياً والذي هو مرفأ بيروت”، وهو مرفق عام ذات طبيعة تجارية اقتصادية، يتمتع بخصوصية الأعمال التجارية ويخضع لنظام مالي مقرّر خاص به يطبّق في الصندوق والإلتزامات والمشتريات ويخضع لرقابة مالية خاصة به، بحيث أن إخضاعه لقانون الشراء العام قد يؤخر بل يضر أحيانًا بسير المرفق العام وبالتالي بالمال العام، إذ يدني قدرته على المنافسة واقتناص فرص الإنتاج التي تيسّر عمله.
وذكرت بأن مجلس الوزراء في كافة القرارات التي اتخذها سابقاً بخصوص إدارة هذا المرفق العام التجاري- مرفأ بيروت – قد أخذ بعين الاعتبار طبيعته هذه، محرّراً إياه من بعض القيود التي تفرض عادة على المرافق العامة الإدارية البحتة، لإعطاء إدارة هذا المرفق الليونة والمرونة المتناسبة مع طبيعته، حيث تجلى هذا الأمر بمنح لجنة إدارة واستثمار مرفأ بيروت أوسع الصلاحيات لإدارة هذا المرفق العام التجاري عبر منحها الصلاحيات الممنوحة لمجلس إدارة شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت التي كانت تديره بطريقة الإستثمار غير المباشر حتى نهاية عام 1990، بموجب المادة 21 من نظام الشركة المذكورة أي ممارسة أوسع الصلاحيات لإدارة أموال وأعمال مرفأ بيروت.
كما وأعفاه من رقابة ديوان المحاسبة إذ يخضع لرقابة مالية خاصة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم22 بجلسته المنعقدة في 1993/5/6، كما ومن قانون المحاسبة العمومية بحيث وضع له نظاماً مالياً خاصاً به، مصادقاً عليه من وزير النقل والذي تنظم على أساسه ميزانية مستقلة خاصة به أيضاً.
واكدت اللجنة في كتابها للوزير حمية، على استمرارها في تطبيق النظم والأصول العائدة لطبيعتها والموضوعة خصيصاً لها، لتسيير هذا المرفق العام ولا سيما فيما خص جميع عمليات الشراء المرتبطة به وفقاً لما يلحظه بهذا الصدد النظام المالي الخاص بها، وذلك انسجاماً مع القواعد الخاصة التي وضعت لتنظيم طريقة تسييره وإدارته والغاية المبتغاة منها ألا وهي توفير الاستقلالية اللازمة لتمكين إدارة المرفأ من متابعة وتأمين حسن سير واستمرارية عمله بالطريقة التي تتلائم وطبيعته التجارية، على غرار حالات خاصة أخرى شبيهة، كشركة طيران الشرق الأوسط كازينو لبنان وإدارة حصر التبغ والتنباك Regie.
وكان وزير الأشغال قد أصدر تعميماً في 18 آب/2022 عطفاً على تعميم دولة رئيس مجلس الوزراء رقم 2022/22 يطلب فيه إلى مختلف الإدارات العامة والمؤسسات العامة وهي المديرية العامة للطرق والمباني، المديرية العامة للنقل البري والبحري، المديرية العامة للطيران المدني، المديرية العامة للتنظيم المدني، مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، إدارة واستثمار مرفأ طرابلس، إدارة وإستثمار مرفأ صيدا، إدارة وإستثمار مرفأ صور، إدارة مرفأ بيروت التقيد بمضمون وحيثيات قانون الشراء العام في جميع عمليات الشراء العام من لوازم وأشغال وخدمات كما وإتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق كافة المواد المتعلقة ومنها المادة / 9 / حيث تم إنشاء سجل شراء عام موحد للوزارة في المديرية الإدارية المشتركة، ويقتضي بالتالي إيداعها كافة المعلومات المطلوبة الواردة في متن المادة المذكورة لإيرادها على سجل الشراء العام وفقاً للأصول المرعية الإجراء.
وأكد التعميم حينها على أن أي مخالفة لمضمون هذا التعميم يُعرض مرتكبها للإجراءات والتدابير المناسبة وفقاً لأحكام قانون الشراء العام والأنظمة المرعية الإجراء.
هذا الموقف المبدئي والثابت لوزير الأشغال هو من يجنّب الهدر والفساد التي اعتادته الادارات العامة في لبنان، وبالتالي على باقي زملائه الاقتداء بذلك حتى لا تبقى مزاريب الهدر مفتوحة على مصارعها، والتي أدت في السابق إلى الواقع الاقتصادي الحالي حيث تسبّب ذلك بهدر إيرادات الدولة لحساب جيوب المنتفعين.