مقالات

أنوثة تصارع النار وتنتصر عليها المرأة السودانية بين معاناة الحرب ودورها الإنساني

جنى الحنفي

 

 

 

ليست نصف المجتمع. وليست كل المجتمع! هي روحه التي تسند الذين ترهق الصعاب أرواحهم. كانت طفلةً فألهمت، صبيةً فقطفت روحها فداءً، أختاً فعطفت، أمًّا فهزت العالم مهداً بيمينها والعالم بيسارها.

ولائحة شموخها لا تنتهي.

لم تكسرها التحديات، وعلمت الوجود معادلةً صعبة: هي أنثى، لكنها لا تنكسر. هي أنثى، اللاجئة الأنسب لتكون ملجأً. هي القوة التي تفيض من الرقة والنار التي تدفأ بها أمّة.

هي الطاقة التي تلملم صمودها من دموعها. ولطالما كانت رائدةً في التاريخ وجديرة بالثقة.

لقد حفرت اسمها في سجلات الانجازات. وأصبحت العضو الفاعل في المجتمع.. الذي أثبت على مر التاريخ أنه يحتاجها. خصوصاً في حالات الطوارئ، كالنزاعات والحروب. ورغم أنها الفئة المستضعفة اجتماعياً في الظروف المستجدة، لكنها النموذج القوي الذي لا يتوانى عن الدعم والتطوع. ونستحضر هنا قول أرسطو: النساء في أوقات الحرب قد يكون لهنّ تأثير يفوق السلاح، فإنهنً يؤثرن في النفوس ويحركن الحشود نحو النصر أو الهزيمة.

*النساء العربيات كتبنَ التاريخ*

 

زاخر هو التاريخ العربي بالنساء الرائدات اللواتي غيرن المجتمع العربي للأفضل على أصعدة مختلفة خصوصاً في الأعمال التطوعية، والمحاولات البطولية خلال الحروب. نستعرض منهن مثلاً الطبيبة اللبنانية هالة سرحان، التي برزت خلال الحرب الأهلية اللبنانية عندما أسست عيادات ميدانية لتقديم الرعاية الصحية للمتضررين في الحرب. ونستذكر من سلطنة عمان سعاد بنت سالم التي قادت حملات لتوفير المساعدات الغذائية، وكانت أوائل النساء اللواتي نظمن عمليات إغاثة دولية. ولا ننسى الكاتبة الفلسطينية سميرة عزام التي كرست حياتها لتوفير التعليم والمساعدات الإنسانية للاجئين بعد النكبة من خلال وكالة الغوث الأونروا. ومليكة قايد وجميلة بو حيرد من الجزائر، انضمتا إلى جبهة التحرير الوطني وساهمتا في تدريب النساء للمشاركة في الكفاح المسلح.

 

هؤلاء النساء لعبن دوراً محورياً وتركن بصمات راسخة في تاريخ نضال شعوبهن.

 

ومما لا شك فيه، هناك الكثير من اللواتي لم يكنّ مجرد متطوعات، بل ساهمن بتوجيه الجهود الإنسانية. ما خفف المعاناة خلال الحروب، وأكد على دورهن المضحي في العمل الانساني.

وإن كان التاريخ لا يتسع لترسيخ أسماء كل النساء اللواتي دسنَ على الصعاب من أجلل عائلاتهن، فعدوان غزة قد رسم نموذجاً للمرأة قد كسر كل التعريفات التي تحجّم دورها. وكان الإعلام شاهداً على المهندسة إيناس الغول التي ابتكرت جهازاً لتحلية مياه البحر لمساعدة النازحين في غزة، من ألواح الطاقة الشمسية المدمرة. بالإضافة إلى الٱلاف اللواتي تحمّلن ظروفاً لا تطاق، لكنهن صمدن على الولادة بدون تخدير، وانقطاع مواد نظافتهن الشخصية، فقد الأحبة, وغياب مقومات التغذية وظروف الحياة المعقدة.

*حرب السودان كحدث عربي مستجدّ*

 

نالت قوات الدعم السريع اعترافاً رسمياً بإعتبارها قوة عسكرية رسمية في السودان عام 2017 . فنالت بذلك مكانة اقتصادية واجتماعية مهمة، خصوصاً بعدما استعانت القوات المسلحة السودانية(الجيش السوداني) بهم، بقوات الدعم السريع للمساعدة في اخماد التمرد في(دارفور) وغيرها من مناطق البلاد التي شهدت انقلابات ملتهبة لحد العام 2019، حين تم الإطاحة بالبشير، رئيس البلاد . ومن هنا، اشتعل فتيل الصراع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، بسبب محاولة دمج قوات الدعم السريع نفسها مع الجيش السوداني الذي عرقل هذا الدمج بسبب تاريخ الأنتهاكات والنزاعات للقوات. فسيطرت بالتالي على بعض قواعد الجيش بالقوة، وتفاقمت التوترات حول المسيطر على السلطة بعد تشكيل الحكومة الأنتقالية من المدنيين والعسكريين عام 2019.

*معاناة خلف الخطوط الأمامية*

بعد اقالة بشير من منصبه، وتبشر بالسودان بمستقبل أكثر إشراقاً للأجيال الطالعة، كانت المرأة السودانية قائدة! تتقدم الصفوف الأولى خلال الثورة السودانية لكنها وجدت نفسها مهمّشة ومستعبدة من مراكز صنع القرار في الحكومة الانتقالية رغم الوعود بتخصيص نسبة 40% للتمثيل النسائي لتلبية تطلعات النساء السودانيات، والإعتراف بأدوارهنّ الحيوية في المجتمع والعملية السياسية.
وكان الإضطهاد السياسي بدايةً لمسلسل معاناة أسود تقاسيه المرأة السودانية جراء الحرب. ولعل اسوأها هو رعب التعرض للعنف الجنسي. حيث أشدت التقارير أن 4 مليون سيدة وطفلة يقعن تحت تهديد الإعتداء الجنسي، بعدما شهدت أقاليم دارفور الخرطوم وكردخان حالات اغتصاب واستعباد جنسي مهولة لمراهقاتٍ وسيدات يعانن الآن التداعيات النفسية والأجتماعية التي تلحقهن بالعار، وتضعهن أمام مأزق الحمل غير الشرعي… بينما تتعرض أكثر من 1.2 مليون امرأة حامل لسوء التغذية ونقص الأدوية. وبين انقطاع مقومات الحياة وخطر الاعتداء الجنسي, تجد المرأة السودانية نفسها لا خيار أمامها إلا مقاساة الإهانة على مضض لتسند أطفالها, الذين لم يسلموا أيضاً من مصاعب الحرب في السودان. فمصادر الأمم المتحدة تقول أن فتيات صغيرات شوهدنَ مقيدات بالسلاسل على شاحنات صغيرة وسيارات. ما يشير إلى خطر وجود أسواق لبيع الأطفال, استعبادهن, أو استعمالهن قسراً للخدمة المنزلية.

ونجد أمام هذه المأساة أن العالم في حالة صدمة بعد نقل الإعلام للمعاملة المستعبدة للمرأة في ظلّ ما يعيش العالم في عصر النسوية, وبعدما تفتحت عيونه على حقوق المرأة والمساواة, لكننا نجد المرأة السودانية تعيش واقعاً بدائيًّا فيما يخص حقوقها وتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تضمنها في حالات الطوارىء كالحروب. بل ويتفاقم لسلبها كرامتها كمدنية في حالة نزاع مسلح. وتبين ذلك في التقارير التني تناولت نسباً مرعبة, تصل إلى 70% من حالات الاعتداء… أنها تتم بشكل جماعي وأمام أسر الضحايا بشكل مقصود كنوع ممنهج من الإذلال! ما أدى إلى ازدياد حالات الانتحار والإجهاض في صفوف النساء السودانيات. ويزيد عليهن الخطر منع وصول المستلزمات الصحية النسائية والتي من شأنها أن تمنع حصول عمليات الإجهاض أو التطهر بطريقة صحية.

ورغم كل ما سبق, رغم كل الانتهاكات التي تتعرض لها النساء السودانيات, لكن عزيمتهنّ لن تنكسر… والحرب لن تعصف بأحلامهن. ورحلة بطولاتها قد انطلقت من آلاء صلاح التي أصبحت رمزاً للثورة في 2019 عندما ظهرت في صورة وهي تهتف من فوق سيارة, في مشهد ألهم النساء الثوريات حول العالم. واستمرت إلى الخمسين سودانية, حين ناقشن قضايا النساء وهمومهن بكل شجاعة في العاصمة الأوغندية في مؤتمر أكتوبر الماضي. هذا ولا ننسى المرأة السودانية اتي لم يسمع صوتها العالم ربما, لكنها كانت رائدة أعمال من أفقر الموارد, وأمًّا من قلب الضعف والحرمان. فهناك من أسست مشاريع متواضعة كبيع الطعام ورعاية الأطفال الأيتام. ومنهنّ من عملن في ظروف مميتة كالحر والجوع بالإضافة لخطر الحرب الملاحق للمرأة السودانية بالتحديد. والمؤسف هو وجود حالات قد اضطرت للعمل في منازل الجنود لقاء إطعام أطفالهن فقط.

*لن تسكت أصوات الأمل*

إن حالات انتهاك الإنسانيّة هي التي تؤكد على أهمية الصحافة.. المتمثلة بالتعبير عن الصرخة التي يحيا أصحابها على أمل وصولها للعالم. بالمقابل, تؤكد لنا المأساة في كل مرّة أنّ الروح العربية قادرة على إلهام العالم بصبرها وصمودها… وإبداعها من قلبِ التحديات. وستبقى الكلمة الحرّة سلاحاً ناطقاً باسم كلّ فئة مستضعفة, تتحمل من الأهوال ما يستحقّ التأريخ والترسيخ. وكانت المرأة السودانية نموذجاً يحتذى به ويستحق أن يكون مادة صحفيّة غنيّة, كي لا ينسى العالم في ظلّ سيل المعلومات والأخبار الهائل أنّ هناك أبطال في الظلّ.. يعانون انتهاك حقوقهم المدنيّة, ويسعون بكلّ وسيلة متاحة لإيصال صوتهم للمجتمع المدني والدوليّ.

 

*المراجع:*

موقع قناة العربيّة الإلكتروني
موقع قناة الحرة الإلكتروني
وكالة واشنطن
موقع منظمة الأمم المتحدة
موقع صندوق الأمم المتحدة للسكان
UN.org

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى