من الشارع.. كيف يترقب اللبنانيون “لحظة الحرب”؟
لا تزال المخاوف من توسع الحرب في الشرق الأوسط، تسيطر على الجميع، سواء في لبنان أو في إسرائيل. هنا، وجد أشخاص من الجبهتين، أي في لبنان وإسرائيل، طريقة للتعبير عن مخاوفهما خلال ساعات الانتظار، وهي السخرية من تلك الحرب.
ووفق ما يرصده تقرير مهول سريفاستافا وراية الجلابي في صحيفة “فايننشال تايمز”، تتحدث أوفير ليفي، 23 عاماً، عن شعورها بالانتظار حتى تنفذ إيران “عقوبتها” التي طالما روجت لها ضد إسرائيل بسبب اغتيالات في المنطقة، ومن تل أبيب، تدعي أن الأمر “مزعج” بكل بساطة.
وعلى الرغم من أنها على يقين تام من سلامتها بفضل الملجأ المحصن تحتها ونظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” فوقها، فإنها تضيف رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني: “أخبر خامنئي بذلك ــ إنه أمر مزعج حقاً، فقط افعل ما بوسعك، وسوف نمضي قدماً”.
ورغم كل هذا التفاخر، فإن نداءها يعكس حالة التوتر التي تعيشها المنطقة، حيث تتوتر الأعصاب بسبب الترقب.
وعلى بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشمال، وفي أحد مراكز التسوق في بيروت، تتمنى شيرين سيكار، 38 عاماً، الشيء نفسه، فقط حتى تتمكن من التوقف عن “تصفح الأخبار السيئة على الهاتف والبكاء تحت البطانية”.
في سياق حديثها، تقول شيرين: “أريد فقط أن تبدأ الحرب حتى نتمكن من إنهائها، بهذه الطريقة، نعرف ما سيحدث بعد ذلك ولا نضطر إلى الاستمرار في المراقبة والانتظار والمراقبة والانتظار”.
تعهد خامنئي
ومر أكثر من أسبوع منذ تعهد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بأن بلاده ستنتقم من عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل خلال الأيام الماضية، فالاغتيال الأول جاء يوم 30 تموز حيث استهدفت إسرائيل القيادي في “حزب الله” فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية لبيروت، وفي الليلة نفسها تم اغتيال القيادي في حركة “حماس” اسماعيل هنية بعملية داخل طهران.
ومنذ ذلك الحين، بدأت القوات الاميركية وحاملات الطائرات في التحرك إلى أماكنها في المنطقة، واجتمع وزراء خارجية الدول الإسلامية في المملكة العربية السعودية؛ فيما بدأت تتردد في سماء بيروت أصداء أصوات خرق الطائرات الحربية الإسرائيلية لجدار الصوت.
وما يبدو هو أن اللبنانيين والإسرائيليين يترقبون مواجهة قد تمثل تصعيداً مثيراً للقلق في صراع إقليمي طويل الأمد، أو قد تكون الدفعة الأولى من حرب شاملة مدمرة.
بالنسبة للإسرائيليين، بعد عشرة أشهر من الحرب مع حماس في غزة إلى الجنوب، فإن الانتظار لمواجهة تبدو حتمية مع
حزب الله الأكثر رعباً في الشمال قد ولّد لديهم “كوميديا سوداء” وخوفاً كامناً.
ومساء الثلاثاء، قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وهو يتحدث عن الخيارات المتاحة لمهاجمة اسرائيل إن “انتظار إسرائيل أسبوعاً هو جزء من العقاب.. من الرد.. ومن المعركة، لأن هذه المعركة نفسية ومعنوية، إذ تعتمد على الأعصاب، فضلاً عن الأسلحة والدماء”.
مع هذا، يخشى المدنيون اللبنانيون من رد إسرائيلي مضاد، أو حتى ضربة استباقية، في غياب الحماية التي توفرها الدفاعات الجوية المتطورة والملاجئ الباهظة الثمن تحت الأرض والتي من المتوقع أن تحافظ على سلامة معظم المدنيين في إسرائيل.
وتأرجح سكان بيروت بين الذعر والاستسلام يوم الأربعاء، حيث قام بعض الناس بإخلاء ممرات محلات السوبر ماركت من المواد الغذائية المعلبة والمياه، بينما عمل آخرون على تسمير بشرتهم على الشاطئ.
وقال أحد المتسوقين الذي كان يخزن الذرة المعلبة ومناديل الأطفال تحسباً لحرب وشيكة: “نحن جميعاً ننفصل عن بعضنا البعض بطرق مختلفة”.
وانتقل الذين لديهم الخيار إلى مناطق في شمال لبنان تعتبر أكثر أماناً، في حين بقي آخرون مع أقاربهم في أجزاء مختلفة من بيروت، بعيداً عن الأهداف الإسرائيلية المحتملة في معاقل حزب الله، ولكنها لا تزال مكتظة بالمدنيين.
قلق مستمر
لقد كان السكان يراقبون بقلق شديد منذ 10 أشهر تبادل إسرائيل وحزب الله إطلاق النار المكثف عبر الحدود، واقتصرت هذه الهجمات إلى حد كبير على المناطق الحدودية، لكن الخوف هو أن المرحلة التالية من القتال قد تكون أسوأ كثيراً.
وفي
لبنان، انتشر مقطع فيديو لبودكاست تم تسجيله يوم الثلاثاء، حيث تمكنت إحدى ضيوف البرنامج من التعرف بسرعة على الصوت المروع. وعندما سُئلت كيف عرفت في غضون ثوانٍ أن الصوت ليس شيئاً آخر، قالت: “لأننا اعتدنا عليه”.
وكما حدث في إسرائيل، ظهرت صور ساخرة وملصقات “واتساب” لمواجهة هذه اللحظة، وظهر في أحدها شخص تبول على نفسه، وكتب تحته تعليق يقول: “إنه أمر طبيعي، مجرد دوي انفجار، لا داعي للخوف”.
وفي إسرائيل، بقي معظم الناس حيث كانوا، متأرجحين بين العجز والتفاؤل النسبي. وفعلياً، فقد أصبحت صواريخ حزب الله قادرة الآن على الوصول إلى كامل البلاد؛ وحلقت طائرات الحوثيين من دون طيار فوق البحر الأحمر واخترقت وسط مدينة تل أبيب؛ وأثبتت صواريخ إيران أنها قادرة على ضرب حتى أكثر القواعد الجوية دفاعاً في إسرائيل.
ولكن من ناحية أخرى، في هجوم انتقامي سابق شنته إيران في نيسان في أعقاب ضربة قاتلة على المجمع الدبلوماسي لإيران في سوريا، تم إسقاط معظم صواريخها بمساعدة الولايات المتحدة وحلفائها. كذلك، تمّ إلغاء العديد من الرحلات الجوية، لكن الشواطئ مفتوحة.
شائعات وتكهنات
وتكثر النكات، فبعد أن قام حساب على وسائل التواصل الاجتماعي ينشر خطابات نصرالله بإعادة صياغة تحذيره لإسرائيل على النحو التالي: “ربما الليلة، ربما غدًا، ربما بعد أسبوع”، انهالت الردود من الإسرائيليين.
وبينما كانت الضغوط تتزايد، ناشد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مواطنيه أن يبقوا “متزنين وواثقين من أنفسهم”.
وفي الوقت نفسه، تابع وزير دفاعه يوآف غالانت استعدادات القوات لمعركة محتملة في لبنان، وحذر من أن نصرالله قد “يجر لبنان إلى دفع ثمن باهظ للغاية – فهم لا يستطيعون حتى أن يتخيلوا ما قد يحدث”.
ووسط قلة الأخبار الواردة من الدبلوماسية المحمومة التي تجري خلف الكواليس عبر القارات، تنتشر الشائعات والتكهنات، ولا يزال المدنيون غير مطلعين على ما يحدث مثل كبار المسؤولين الحكوميين.
وفي السياق، قال أحد العاملين في مقهى في يافا، يوم الإثنين: “سيكون ذلك الليلة.. أستطيع أن أشعر بذلك”.
وخلال اليوم نفسه، أرسل مسؤول حكومي رسالة نصية إلى صحافي من “فايننشال تايمز” يقول فيها: “كن حذراً، فالأمر سيحدث الليلة”.
إلا أنه في النهاية، لم يكن الأمر كذلك، وما جرى هو أن الانتظار ما زال قائماً وسط ترقب كبير في لبنان وإسرائيل.
(24)