مرَّرت إسرائيل خطط العمليات الخاصة بالحرب مع لبنان٬ بعد نشر حزب الله مؤخراً لقطات من طائرات مسيرة تدعى (الهدهد) حلّقت فوق مدينة حيفا الساحلية، الواقعة على بعد 27 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، حيث أظهرت المشاهد الملتقطة عدة مناطق مدنية وعسكرية تضم مراكز تسوق ومربعات سكنية ومجمع لتصنيع الأسلحة وبطاريات الدفاع الصاروخي.
وتُعد لقطات الطائرات المسيّرة محاولةً لاستعراض قدرة حزب الله على اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية وبلوغ عمق البلاد، وتتزايد التوترات بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله منذ بداية حرب غزة وقد تواصلت الأعمال العدائية منخفضة الحدة بطول الحدود لأشهر متواصلة لكن الوتيرة ارتفعت مؤخراً.
إذ قصفت القوات الجوية الإسرائيلية في الشهر الجاري فقط عدة منشآت وأهداف عسكرية بطول جنوب لبنان وأسفر هذا عن ارتقاء قائد كبير في حزب الله هو “فؤاد شكر”٬ ورد حزب الله بإطلاق وابل صواريخ ضرب المصانع والمناطق المدنية في “إسرائيل”، بينما تقترب الحرب رويداً رويداً، سواءً شئنا أم أبينا بين الطرفين٬ إذ صرّح نتنياهو مؤخراً بنهاية المرحلة المكثفة من الحرب في غزة.
وقد يتمخّض ذلك التصريح عن نتيجتين مختلفتين فمن المحتمل أن تنقل “إسرائيل” مواردها إلى جبهة حزب الله، أو ربما تستعد لوقف إطلاق النار في غزة، وهو أحد شروط التهدئة مع حزب الله وهذا يعني أننا على مفترق طرق بين الهدنة أو مزيد من الحرب.
في هذا التقرير تشرح منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، ما إذا كانت إسرائيل ستشن غزواً برياً على لبنان إذا تصاعدت وتيرة الحرب بين الطرفين.
يقول موقع أسباب للشؤون الاستراتيجية٬ إنه على مدار ثمانية أشهر، رأى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الوقت ليس مناسباً للقتال في الشمال، أو لخوض حرب شاملة على الأقل لكن يبدو أن تلك السياسة تنهار سريعاً، إذ يُعد الوقت أمراً جوهرياً متى اندلعت أي مناوشات فكلما طال أمد المناوشات، زاد تصعيد الصراع وزادت معه فرص اندلاع حرب شاملة ويواجه نتنياهو مع حكومته المعضلة التي طرحها.
منذ اندلاع حرب غزة، بذلت الولايات المتحدة جهوداً دبلوماسية وعسكرية كبيرة لمنع امتداد معارك غزة إلى لبنان وما وراءه.
1- جرى نشر أكثر من مجموعتي حاملات طائرات هجومية في منطقة شرق المتوسط.
2- تلك التدابير لم تحقق الأثر المطلوب.
3- بدَّل حزب الله تكتيكاته وأصبح يسعى الآن لإلحاق الألم بالسكان الذين يقطنون شمال “إسرائيل” من أجل تشجيع المدنيين على مغادرة المنطقة للأبد.
4- يُحوِّل حزب الله شمال إسرائيل إلى منطقة غير صالحة للعيش بجعلها مكاناً غير آمن وغير مستقر.
ونستطيع القول إن ما يجري بين الجيش الاسرائيلي ولبنان الآن هو حرب استنزاف واختبار لكشف من يمكنه الصمود لفترةٍ أطول، وتحمُّل قدر أكبر من الألم، وفي هذه الخريطة المبنية على بيانات منظمة ACLED غير الربحية يظهر عدد الهجمات عبر الحدود منذ تشرين الأول 2023 وحتى آذار الماضي حيث تشير الدوائر الزرقاء إلى الهجمات الإسرائيلية، بينما تمثل الدوائر البرتقالية هجمات حزب الله وتدل الدوائر الأكبر حجماً على وقوع هجمات أكثر في المنطقة.
بالقرب من كريات شمونة، نفّذ حـزب الله 62 هجوماً وشهدت مارجاليوت القريبة 56 هجوماً
شهدت مزارع شبعا في أقصى الشمال 43 هجوماً
تعرّضت شتولا والعرامشة في الجنوب لـ43 و39 هجوماً
فيما ردّت إسرائيل بهجمات قوية وأكثر انتشاراً بأسلوب مدروس:
– تعرّضت قرية عيتا الشعب اللبنانية لـ190 هجوماً إسرائيلياً
– وقع 143 هجوماً في قرية حولا
– شهدت قرى راس الناقورة وعلما الشعب وطير حرفا 154 و134 و139 هجوماً على الترتيب
ووصل الأمر بالحكومة الإسرائيلية إلى إصدار أمر بإخلاء التجمعات السكنية بطول الحدود اللبنانية، وبهذا ترك نحو 60 ألف إسرائيلي منازلهم وأصبحت هذه المنطقة بأكملها محظورةً على المدنيين، وفي الوقت ذاته وعلى الجانب المقابل من الحدود، حزم أكثر من 90 ألف لبناني أمتعتهم وانتقلوا شمالاً ليبتعدوا عن مرمى النيران.
شهدت الأشهر الأخيرة زيادةً في مطالبة المدنيين الإسرائيليين من الشمال باتخاذ حكومة نتنياهو خطوات عملية لإعادتهم إلى منازلهم، لكن يبدو أن أفكار الدبلوماسية الأميركية قد نفدت بينما تُعد الفجوات التي تشهدها المفاوضات غير قابلة للحل، أي إن الحل المتبقي هو الحرب ولهذا يتحدث المسؤولون العسكريون الإسرائيليون عن الغزو البري للبنان الآن بصوتٍ أعلى ووتيرةٍ أكبر.
وفي الوقت ذاته، قال زعيم حزب الله حسن نصر الله في رسالته المصورة الأخيرة إن جيشه سيقاتل دون قيود، أو قواعد، أو حدود في حالة الحرب، الوضع على حافة الهاوية وإذا اندلع صراعٌ مسلح، فسيكون أشبه بعاصفةٍ نارية تلتهم كل شيء في طريقها.
يقول موقع أسباب٬ سيحتاج قتال حزب الله إلى صراعٍ طويل ومُعقَّد وهذه هي نوعية الصراعات التي يعجز الإسرائيليون عن تحقيق النصر فيها، ولا بد من الاعتراف بأن “إسرائيل” تحقق نتائج غير متوقعة في كافة مجالات إدارة الدولة، فهي:”تمتلك جيشاً قوياً يتمتع بوصول كامل إلى الترسانة والصناعات الدفاعية الأميركية.
تمتلك ترسانةً ضخمة من الصواريخ والقذائف.
تنتج محلياً العديد من الصواريخ الجوّالة والبالستية التي تستطيع ضرب أهداف تصل إلى إيران ولبنان.
تتمتع الصواريخ المضادة للرادار مثل دليلة بمدى يصل إلى 300 كلم.
تستطيع صواريخ لورا البالستية التحليق لمسافةٍ 280 كلم.
يصل مدى صواريخ مدفعية إكسترا إلى 150 كلم.
يتجاوز مدى صواريخ جو أرض مثل بوباي تربو حاجز الـ200 كلمل.
تستطيع صواريخ جبرائيل المضادة للسفن التحليق لمسافة 400 كلم”.
هذه هي أنواع الصواريخ التي تستطيع “إسرائيل” تصنيعها محلياً بسهولة وبكميات كبيرة، وسيكون لبنـان مهمةً سهلة لإسرائيل باستخدام هذه الأنظمة، لكن التفوق العسكري الكامل الذي تمتع به الجيش الإسرائيلي لثلاثة عقودٍ قد تآكل منذ سنوات. أما حـزب الله، فقد كان يُنظر إليه كميليشيا ضعيفة الموارد تُنفِّذ التفجيرات وهجمات الكر والفر الصغيرة من آنٍ لآخر، لكن حزب الله بات يمتلك اليوم قدراتٍ تتميز بها الجيوش الرسمية للدول.
1- يبلغ قوام قواته المقاتلة نحو 100 ألف جندي وغالبيتهم من ذوي الخبرة القتالية في الجبهات السورية
2- يتدرب مقاتلو حزب الله كالجيوش ويتمتعون بتسليح كالدول
3- يمتلك الحزب مخزوناً كبيراً ومتنوعاً من القذائف والصواريخ البالستية والمضادة للطائرات والدبابات والسفن وتُشكل بعض هذه الأسلحة تهديداً استراتيجياً حقيقياً لإسرائيل
4- يصل مدى الصاروخ فجر-5 مثلاً إلى 75 كلم
5- يصل مدى الصاروخ خيبر إلى 100 كلم
6- يبلغ مدى الصاروخ زلزال-2 نحو 210 كلم الذي يستطيع ضرب أهداف تصل إلى منطقة العاصمة تل أبيب
7- هذه الصواريخ الثلاثة هي إيرانية الأصل
ضغوط على “الأمن الإسرائيلي”
تفرض هذه الترسانة من الصواريخ والقذائف إجمالاً حالة ضغط متواصل على الأمن الإسرائيلي، إذ أشارت تقديرات عام 2018 إلى أن حزب الله كان لديه نحو 130 ألف صاروخ وقذيفة لكن مسؤولاً إيرانياً بفيلق القدس، المشرف على عمليات حـزب الله، صرّح في يونيو/حزيران 2024 بأن الحزب لديه أكثر من مليون صاروخ وقذيفة.
وهناك شك كبير في صحة هذا الرقم، لكن حتى لو كان نصفه فقط صحيحاً؛ فسيُشكل هذا قفزةً ضخمة وغير مسبوقةٍ في قدرات الحزب.
إن المخزون الذي يضم مليون صاروخ وقذيفة هو أكبر مما تمتلكه دولة الناتو العادية في ترسانتها
ستنهار القبة الحديدية الإسرائيلية -رغم تطورها- في حال قرر حـزب الله إطلاق كل صواريخه في كل مكان وفي آنٍ واحد
لكن الحرب الشاملة بين حزب الله و”إسرائيل” ستكون مدمرةً للطرفين وهذا أمرٌ واضح بعد 8 أشهر من الحرب التقليدية في غزة، ويُدرك حـزب الله أن لبنـان بأكمله سيتعرض للتدمير في حالة الحرب الشاملة، كما سيسقط عشرات الآلاف من الضحايا، لكن “إسرائيل” تدرك هي الأخرى أن ما واجهته داخل غزة في الأشهر الماضية -دون تحقيق كل أهدافها- لن يُقارن بالحرب مع حزب الله.
ولا شك أن ما يزيد تعقيد الصراع مع حـزب الله هو طبيعته راسخة الجذور، وعلى غرار حماس، سنجد قواعد حـزب الله مغروسة بعمقٍ بين السكان المدنيين في لبنان، فتقع المواقع التكتيكية عادةً في قلب المناطق الحضرية بطريقة لامركزية، وستواجه “إسرائيل” صعوبةً في العثور على الأهداف العسكرية وتدميرها.
لكن لبنان أكبر من غزة بمراحل، لهذا فإن جذور حـزب الله الحضرية الراسخة ستعني احتفاظه بالقدرة على مهاجمة أهداف “إسرائيل” بفاعلية مع مرور الوقت، وسيتمثل الحل الوحيد للقضاء على هذه الأفضلية في قصف المدن اللبنـانية من الجو عشوائياً ثم تحريك القوات البرية لاحتلال المواقع الاستراتيجية.
ونتحدث عن قدرٍ كبير من الدمار هنا سيشبه هذا حرب غزة الجارية، لكن على نطاقٍ أكبر بكثير، ففي غزة، تحركت القوات الإسرائيلية بسرعة واخترقت دفاعات حماس فوق الأرض لكن العملية حادت عن الخطة الموضوعة تحت الأرض.
إذ تستطيع وحدات الهندسة الخاصة الإسرائيلية التعامل مع الأنفاق المنفردة لكنها لا تستطيع تغطية الشبكات الكبيرة بفاعلية، ولهذا عجزت “إسرائيل” عن العثور على الأصول الاستراتيجية أو كبار قادة حماس، أما في لبنـان، فسيكون حجم المقاومة أكبر بكثير.
علاوةً على أن لبنان بلد جبلي، بينما يُعد قطاع غزة عبارةً ع أرض مسطحة وهذا يعني أن القتال بين جبال لبنان ضد عدوٍ مدجج بالسلاح، ولديه أنفاق تحت الأرض، لن تكون أفضل فكرة، كما يختلف لبنان عن غزة المعزولة جغرافياً عن رعاتها في طهران.
إذ أنشأت إيران طرق إمداد برية وجوية إلى لبنـان مروراً بالعراق وسوريا وقد تستخدم لتدعيم قوات حـزب الله حال اندلاع الحرب الشاملةـ للتأكيد، ليست “إسرائيل” مستعدةً لهجومٍ بري على لبنـان. وحتى لو توغّل الإسرائيليون في جنوب لبنان لمسافة 10 أو حتى 20 كلم من الحدود، فسيظل حـزب الله قادراً على إمطار “إسرائيل” بصواريخه.
بالنظر إلى قرب “إسرائيل” من لبنان ومخزون حزب الله الضخم من الصواريخ؛ ستتعرض العديد من المدن الإسرائيلية للتدمير في حالة الحرب الشاملة، سيُلحِق الجيش الاسرائيلي هو الآخر أضراراً هائلةً بلبنـان، إذ حذر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن لبنـان سيعود إلى “العصر الحجري” في حالة الحرب.
قد يكون هذا صحيحاً، لكن حـزب الله سيفعل الأمر نفسه في شمال “إسرائيل” لأنه سيعتمد على قوته النيرانية الهائلة لتدمير كامل البنية التحتية الأساسية لإسرائيل تقريباً بما فيها المصافي النفطية والقواعد الجوية ومنشأة ديمونة للأبحاث النووية.
وستنتهي المذبحة المتبادلة باتفاقية هشة أخرى لوقف إطلاق النار ولن تكون اتفاقيةً مطمئنةً لمستوطنات شمال “إسرائيل”، كما ستبتعد الشركات متعددة الجنسيات عن “إسرائيل” وقد يؤثر هروب رؤوس الأموال على الاقتصاد الإسرائيلي.
فلا أحد يريد أن تتواجد شركته داخل مكانٍ يشهد صراعاً مسلحاً. وسيكون موقف “إسرائيل” الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري بعد الصراع أسوأ من قبله، أي إن تكلفة الحرب أكبر من فوائدها بكثير، حافظت “إسرائيل” وحـزب الله على أعمال التصعيد ضمن إطار الاشتباك القائم كما اعتمدوا على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان كقناةٍ خلفية للحوار.
وليس حزب الله انتحارياً رغم الخطاب الاستشهادي الذي يتبناه، بل يفضل التصعيد المحكوم والحفاظ على حجم عملياته أقل مما قد يؤدي إلى حرب شاملة، وتَمثّل هدف تحركاته حتى الآن في الرد على التصعيد الإسرائيلي بتدابير مقابلة وذلك بهدف التأسيس لردعٍ جديد.
وقد تزيد وتيرة ذلك التصعيد أو تقل خلال الأشهر المقبلة إذ لا نعرف ما يدور في أذهان المسؤولين اللبنـانيين أو الإسرائيليين، لكن في حال تجاوز التصعيد بعض الخطوط الحمراء، أو إذا ارتفعت أعداد الضحايا المدنيين فجأة مثلاً، فقد تصبح الحرب الشاملة حتمية.