بعد أكثر من 36 ساعة كاملة من إعلان اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في إيران، الأربعاء الماضي، صدر البيان الأول لجماعة الإخوان حول الحادث، وبعدها بـ 24 ساعة أخرى صدر بيان ثانٍ.
وفجر البيانان وتأخرهما عدة أسئلة، منها على سبيل المثال: ما هو سبب التأخير والانتظار ليومين كاملين؟ وماذا يحمل البيانان من رسائل قد تكشف مستقبل حركة حماس المرتبطة أيديولوجيا وبنيويا بل وعسكريا بالتنظيم الدولي للإخوان؟ وما مصير ارتباط حماس بإيران بعد اغتيال أكبر قائد في الحركة وسط العاصمة الإيرانية وفي مقر يخضع كلية لحراسة الحرس الثوري؟
وقبل الإجابة على تلك الأسئلة يجب الإشارة لما تضمنه بيان الإخوان الأول، فقد احتوى على عبارات معروفة سلفا في أدبيات الجماعة، مثل قائد يذهب وآخر يأتي، وغير ذلك، لكن كانت العبارة الأهم وهذه جديدة في مفردات بيانات الجماعة هي تلك العبارة التي تقول “فقد ترك هنية الدنيا وما فيها إلى الآخرة حيث لا غدر، ولا صخب ولا نصب، ولا خذلان ولا مهانة”.
أما البيان الثاني فقد احتوى على دعوة لاعتبار اليوم السبت يوم انتفاضة كبرى من أجل فلسطين استجابة لدعوة إسماعيل هنية في كل ربوع فلسطين، وفي مخيمات اللجوء والشتات.
تعليقاً على ذلك، قال اللواء عادل عزب، مسؤول ملف النشاط الإخواني الأسبق بجهاز الأمن الوطني المصري لـ”العربية.نت” إن البيانين مرتبطان ببعضهما بعضاً ويحملان 3 رسائل مهمة يجب الانتباه لها، الأولى هي دعوة إخوانية صريحة لحركة حماس كي تعود لحضن التنظيم الدولي بدلا من الارتماء في حضن إيران، والثانية إشارة إلى وجود غدر حسب وصف البيان الأول، وخذلان في حماية هنية ومسؤولي الحركة، وهو اتهام غير مباشر لإيران بتقصيرها في حمايته، والثالثة هي تأكيد ارتباط الحركة بالتنظيم الدولي رغم إعلان هنية نفسه في العام 2015 عدم ارتباط الحركة بجماعة الإخوان في مصر أو التنظيم الدولي.
وللتفسير والتوضيح أكثر يشير المسؤول الأمني المصري السابق إلى أنه يتوقع حدوث تراجع في دور إيران وفك ارتباطها ببعض تنظيمات الإسلام السياسي بالمنطقة خلال الفترة المقبلة، واستبدالها بالجناح الإخواني في محاولة لتهدئة الأوضاع في غزة، مضيفا أن سياسة الاغتيالات قد تضطر معها حماس للتصعيد أو اختيار قيادات سياسية موالية للاتجاه الإخواني، بل سيدفع ذلك الأمر التنظيم الدولي للجماعة إلى إبعاد القيادات الموالية لإيران داخل الحركة.
كما قال إنه يجب التأكيد أيضا أن صلب حركة حماس كتنظيم كان وسيظل يعمل تحت راية التنظيم الدولي للإخوان عقائدياً ودعوياً، بل إن فرع جماعة الإخوان في فلسطين ممثلة في حركة حماس، من أقدم أجنحة التنظيم الدولي، وتأسس فرع الإخوان بفلسطين منذ الثلاثينيات، وأثر عدم الإعلان عن هويته أو تبعيته للتنظيم الدولي للإخوان إلا في العام 2007، حيث أعلن رسمياً أنه ضمن أفرع التنظيم والجناح العسكري للتنظيم الدولي.
كذلك أضاف المسؤول الأمني المصري أنه بعد فشل الإخوان في الاستمرار في حكم مصر وعقب ثورة 30 حزيران 2013، إدعت حماس تخليها عن الجماعة الأم، وبدأت عام 2015 في إزالة صور محمد مرسي والقيادات الإخوانية من شوارع غزة، مشيرا إلى أنه من المعروف عن أدبيات الجماعات الإسلامية عموماً وعلى رأسها الإخوان هو إخفاء الصراع ونفيه، والإيعاز بوجود انقسامات داخلها على خلاف الحقيقة لإرباك الأجهزة الأمنية والرأي العام، مؤكدا أن جماعة الإخوان عندما يحدث بينها وبين الأنظمة الحاكمة في الدول التي بها فروعها خلافات، فإنها تتعمد إظهار وجود صراعات علنية، وتفتعل صراعات ظاهرية أمام الجميع لتشغل به مراكز الأبحاث والدراسات والأجهزة الأمنية حتى يعتقد الجميع أن الجماعة أوشكت على التفكك والسقوط وهو غير صحيح.
وقال المسؤول الأمني المصري إنه عندما ننظر إلى حوادث الاغتيالات الأخيرة ونستعرض أسماء القادة الذين تم اغتيالهم على يد إسرائيل، فإننا نجد أن جميعهم موالون لإيران، وهنا يبدو السؤال الأبرز: لماذا ورطت إيران حركة حماس في أحداث 7 تشرين الاول وتخلت عنها مرحلياً في هذه الفترة؟
ويجبب المسؤول الأمني بالقول “من واقع خبرتي أرى أنه يدور الآن في الكواليس ترتيبات لإعادة الحركة لحضن الإخوان بدلاً من إيران”.
وحول بياني الإخوان عن اغتيال هنية قال المسؤول بجهاز الأمن الوطني المصري السابق، إن البيانين يؤكدان أن الجماعة الأم وهي التنظيم الدولي للإخوان، تعلن للجميع وبوضوح أنها ما زالت مستمرة وقائمة تحت قيادة مرشدها الجديد صلاح عبد الحق، كما يحمل البيان الأول مناشدة لحركة حماس وقياداتها الجديدة أن تستمر بالعمل تحت راية الإخوان وتذكيرهم بأن حسن البنا وأحمد ياسين هما القياديان التاريخيان للإخوان في مصر وفلسطين.
وفق ما يقول المسؤول الأمني فقد تعمد البيانان عدم الإشارة أو استنكار أو التنديد بالهجوم على طهران رغم أن ما حدث يمثل اعتداء على إيران، بل ألمحت إلى أن هنية تعرض للغدر والخيانة، ومعروف أن الغدر لا يكون إلا من المقربين وليس إسرائيل المعروفة بالعداء لحماس وقياداتها.
ويتابع “إن أجنحة التنظيم الدولي في أوروبا عرضت نفسها ليكون لها دور في تهدئة الأجواء، خاصةً أنه لا يمكن إغفال الدور الذي تلعبه الاتحادات الإخوانية في أوروبا في تنظيم المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مضيفا أنه “من الطبيعي إصدار بيانات عن التنظيم الدولي بعد الحادث بقليل إلا في الحوادث التي يكون بها غموض حيث تأخر البيان لحين عرض وجهة النظر الإيرانية، وهو ما حدث في حادث إسماعيل هنية”.
وأعلنت إيران وحركة حماس مقتل هنية في طهران بعدما حضر للمشاركة في مراسم أداء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اليمين الدستورية، الثلاثاء.