أخبار محلية

بعد هجوم “يافا”… سيناريوهات الرد الإسرائيلي

أثار الهجوم الذي نفذه الحوثيون على تل أبيب في الساعات الأولى من صباح الجمعة، سلسلة من التساؤلات حول كيفية اختراق المسيّرة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، كما فتح المجال أمام مناقشات حول السيناريوهات المحتملة للرد والتداعيات المستقبلية لهذا الاختراق الأمني.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أن مسيرة هجومية استهدفت تل أبيب وانطلقت “بحسب تقديرتنا” من اليمن، مما أسفر عن مقتل مدني وإصابة 8 آخرين بجروح طفيفة.

وقال المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، في مؤتمر صحفي “إن التحقيق الأولي أظهر أن المسيرة إيرانية الصنع من طراز صماد-3 واستخدمت في الهجوم الذي انطلق من اليمن بحسب تقديرنا”.

وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، إذ قال المتحدث العسكري باسمهم على منصة “إكس”، “سنكشف تفاصيل العملية العسكرية التي استهدفت تل أبيب”.

ونقلت وكالة رويترز عن الحوثيين قولهم في بيان، إن الهجوم حدث “بطائرة مسيرة”، وإن “منطقة تل أبيب ستكون هدفا أساسيا في مدى أسلحتهم”.

وفي أعقاب ذلك، جاءت ردود الفعل غاضبة داخل إسرائيل، حيث انتقد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، في تعليقه ما وصفه بـ”سياسة الاحتواء التي انتهجتها الحكومة والحكومات السابقة تجاه غزة وحزب الله وأعداء إسرائيل”.

فيما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، في منشور على منصة “إكس”، إن “تحطم المسيّرة في تل أبيب هو دليل آخر على أن هذه الحكومة لا تعرف ولا تستطيع توفير الأمن لمواطني إسرائيل، ومن يفقد الردع في الشمال والجنوب يفقده أيضا في قلب تل أبيب”.

ووصف خبراء ومحللون تحدثوا مع موقع “الحرة”، الهجوم بـ”الفشل التكتيكي أو العملياتي”، إذ أشار الخبير العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي، كوفي لافي، إلى “وجود مشكلة أو فشل تكتيكي في عملية صد المسيرة وليس فشلا استراتيجيا”.

وقال لافي لموقع “الحرة”: “الجهات المعنية لا تزال تجري تحقيقا للوقف حول ملابسات ما حدث في هذا هجوم. لذلك يجب علينا أن نرى كيف في المرات القادمة سيكون مستوى الدفاع الجوي الإسرائيلي أقوى”.

واتفق مع هذا أيضا المحلل السياسي، يوآب شتيرن، والذي قال لموقع “الحرة” إن “الفشل التكتيكي وما نتج عنه يُعتبر تصعيدا ضد إسرائيل. لكن من المهم الاستفادة من الدرس وفهم ما حدث وتحليله واستخلاص العبر لمنع حدوث ذلك مرة أخرى، وهذه هي أهم نقطة”.

بدوره قال الجيش الإسرائيلي لموقع “الحرة” إنه “يجري تحقيقا في ملابسات الحادث، حيث ننظر فيما إذا كان يمكن اكتشاف المسيّرة مبكرا وكيف كان يمكن اعتراضها قبل إصابتها المبنى”.

وأضاف: “خلال الليلة الماضية تسللت قطعة جوية دون طيار من جهة الغرب والتي تم إطلاقها حسب تقديراتنا من اليمن وأصابت أحد المباني في تل أبيب، وخلال الحادث لم يتم تفعيل صافرة إنذار ولا تزال ملابسات الحادث قيد التحقيق”.

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أنه “بعد التحقيق الأولي وبناء على الأدلة التي عثرنا عليها في مكان وقوع الحادث ومن خلال المنظومات العسكرية، يتبيّن أن الحديث يدور حول طائرة مسيّرة انقضاضية من طراز صماد 3 والتي وصلت حسب تقديراتنا من اليمن إلى تل أبيب”.

وكشف الجيش الإسرائيلي عن “إسقاط مسيّرة أخرى كانت في طريقها من جهة الشرق وخارج حدود الدولة، بالتزامن مع الحادث الذي وقع في تل أبيب”، مشيرا إلى أنه “يفحص العلاقة بين الحادثين”.

وفي وقت سابق، نقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن الجيش الإسرائيلي، قوله إن السبب وراء عدم اعتراض الطائرة المسيرة كان “خطأ بشريا”.

ولم يكن هذا الهجوم الأول الذي يستهدف إسرائيل انطلاقا من اليمن، حيث قال الجيش إنه “حتى الآن أطلِقت العشرات العديدة من المسيّرات، التي تم اعتراض أو إسقاط معظمها في طريقها أو قبل تسللها لأراضي إسرائيل من قبل فرقة عمل أميركية بقيادة القيادة المركزية لجيش الولايات المتحدة (سنتكوم) ومن قبل المنظومات الدفاعية التابعة لسلاح الجو”.

وحمل الجيش الإسرائيلي في رده على موقع “الحرة” إيران مسؤولية “دعم، وتمول وتسلح وكلاؤها في المنطقة بدءا من غزة ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ولبنان وانتهاء باليمن كما حدث الليلة الماضية”.

ويؤكد هذا أيضا المحلل السياسي اليمني، علي العبسي، والذي قال في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” إن “القرار ليس بيد الحوثيين فقط، فهم يعتمدون على التقنيات التي توفرها لهم إيران، وبالتالي فإن استخدام هذه التقنيات مرتبط أولا بقرار إيراني قبل أن يكون قرار الحوثيين”.

ويرجح العبسي أن إيران اختارت الحوثيين لإيصال رسالتها بدلا من حزب الله، وذلك لتجنب المواجهة المباشرة مع أميركا أو إسرائيل، لأن الرد على هجوم من قبل حزب الله قد يشعل حربا شاملة في لبنان.

وأضاف العبسي: “هذا الهجوم يأتي كجزء من المنظومة الكاملة التي تُسمى محور الممانعة والتي تشمل حزب الله وإيران وباقي الأذرع في المنطقة، حيث قرروا توجيه رسالة مبكرة لإسرائيل، في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن حرب على لبنان، مفادها: نحن قادرون على قصف تل أبيب، وقدراتكم الدفاعية والقبة الحديدية لن تكون فعالة”.

وتابع: “هذه الرسالة الإيرانية جاءت عبر الحوثيين لأن حزب الله لا يملك الصلاحية أو قد تكون هناك مخاطرة كبيرة إذا تبنى قصف تل أبيب، لأن الرد الإسرائيلي سيكون على لبنان بأكمله”.

وتتبادل إسرائيل وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران أيضا، القصف بشكل يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل وأدى إلى اندلاع الحرب في غزة.

فيما تشن جماعة الحوثي هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، والتي تقول إنها تستهدف السفن الموالية إلى إسرائيل أو المتجهة إلى هناك، إلا أن الكثير من السفن التي حاولت استهدافها لا علاقة لها بإسرائيل.

بدوره، أكد المحلل السياسي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، أن “إيران هي المسؤولة الأولى عما يجري من تصعيد في المنطقة، وأن الحوثيين ما هم إلا وكلاء لها ينفذون الأوامر التي تملى عليهم”.

وقال كيدار في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” إن “كل المناطق التي يحدث فيها تصعيد من الحدود الشمالية لإسرائيل وفي قطاع غزة، وكذلك في مضيق باب المندب والمحيط الهندي أصبحت معاقل للأنشطة الإيرانية”.

وأضاف: “لهذا كل ما يحدث من تصعيد يوجب على العالم أن يتعامل مع إيران وما تقوم به بشكل جدي وحازم، وأخذ هذه التهديدات على محمل الجد”.

ويؤكد هذا أيضا، لافي والذي قال: “مهما طالت الأمور فإنه يجب على الدول العربية السنية والإسلامية المعتدلة والدول الغربية الحليفة لإسرائيل أن تتعاون للقضاء على أذرع إيران في المنطقة، كما يجب علينا أن نعالج المشروع النووي الإيراني لأنه لا مفر من إيجاد حل لهذا الأمر”.

وتوفر إيران التمويل والتدريب للحوثيين في اليمن ومختلف أذرعتها في منطقة الشرق الأوسط عبر الحرس الثوري الإيراني، حسب ما قال العبسي، مشيرا إلى أن “الحوثيين باتوا أيضا يتلقون التدريبات بشكل مباشرة من عناصر حزب الله، مما يوضح التداخل التام بين وكلاء طهران في المنطقة”.

ويُعد الحرس الثوري الإيراني ذراع نظام طهران في إدارة الجماعات المسلحة في المنطقة المرتبطة عضويا بإيران، أو التي ترتبط معها بمصالح مشتركة على غرار حماس في غزة والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، والجماعات المسلحة الأخرى في العراق وسوريا.

تباينت آراء الخبراء والمحللين خلال حديثهم بشأن سيناريوهات الرد الإسرائيلي على الهجوم، حيث استبعد شتيرن أن تتبنى بلاده ردا عسكريا على الحوثيين في اليمن.

وقال شتيرن: “استبعد أن يكون هناك رد مباشر، هذا ليس من مصلحة إسرائيل الآن، وليس من الفائدة الرد على هؤلاء. التهديد الحوثي تهديد هامشي نسبيا وتكتيكي فقط، وكل ما يحدث هو جزء من المعادلة الأكبر المرتبطة بالحرب في غزة”.

واتفق مع هذا كيدار، والذي يقول إن “إسرائيل لن ترسل القوات من أجل الرد على الحوثيين. المشكلة تكمن في إيران، وليس في اليمن أو لبنان”.

وأضاف: “على العالم المتحضر أن يقف في وجه إيران ويبلغها أنها إما أن تكون جزءا من المجتمع الدولي وتتوقف عن هذه الأعمال، أو تتحمل العواقب بشكل كبير”.

ومع ذلك عاد وقال: “لكننا نتعرض لتهديدات مستمرة منذ 9 أشهر. الرد يجب أن يكون شاملا ويستهدف جميع أذرع إيران، سواء في الشمال أو في أي مكان آخر. يجب علينا معالجة هذا التهديد بجدية”.

بدوره، رأى العبسي أنه من الصعب على إسرائيل تنفيذ هجمات على الحوثيين نظرا إلى البعد الجغرافي، “كما لا يوجد لدى الحوثيين أهداف استراتيجية يمكن قصفها في اليمن”.

وأضاف: “لا توجد لديهم محطات كهرباء أو محطات بترول تحت السيطرة ولا توجد مصانع أو بنية تحتية، حيث دمرت معظمها خلال سنوات الحرب في البلاد. لذلك، حتى إذا قررت إسرائيل الرد وقصف اليمن، فلن يكون لذلك قيمة تذكر سواء من الناحية السياسية أو العسكرية، لأنه لا يوجد بنك أهداف حقيقي هناك”.

ويسيطر الحوثيون على مناطق شاسعة في شمال اليمن من بينها العاصمة صنعاء، منذ اندلاع الحرب في عام 2014، وتدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة الشرعية.

لكن المحلل اليمني، عاد وقال خلال حديثه إنه “قد يكون هناك رد رمزي أو معنوي من قبل إسرائيل، ومن غير المرجح أن يكون حقيقيا ورادعا”.

في المقابل، قال كوفي إن “الهجوم على تل أبيب قد يدفع إسرائيل إلى توجيه ضربات مباشرة ضد الحوثيين المدعومين من إيران، حيث بات من الواضح أن المعركة الدولية ضدهم (الحوثيون) لا تكفي ويجب على إسرائيل الاشتراك في هذه المعركة”.

ومنذ يناير الماضي، تشن القوات الأميركية والبريطانية ضربات على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن لردعهم و”حماية” الملاحة البحرية التي تأثرت بشكل كبير، حيث أوقفت شركات الشحن العالمية الكبرى عملياتها كما اضطرت إلى تحويل مسار السفن حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى