“خفايا” تهديد نصرالله لقبرص!
في أول تهديد من نوعه، توعّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس الأربعاء، بشنّ هجوم على قبرص، إذا فتحت مطاراتها للطائرات الحربية الإسرائيلية، وألقى تهديد نصر الله لقبرص الضوء على علاقاتها العسكرية المتنامية مع إسرائيل، وعلى التعقيد الذي تتسم به البيئة الأمنية في الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
وقال نصر الله، خلال الخطاب الذي حذر فيه إسرائيل من مغبة شنّ حرب على لبنان، إنه إذا فتحت حكومة قبرص مطاراتها لإسرائيل حال نشوب حرب، فهذا يعني “أنها أصبحت جزءاً من الحرب وسنتعاطى معها كذلك”. وأضاف، “حزب الله سيقاتل “بلا قواعد” و”بلا أسقف” إذا اندلع صراع إقليمي أوسع”.
وأثار تهديد نصر الله لقبرص مخاوف من أن تمتد حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله عبر شرق البحر الأبيض المتوسط، حسبما ورد تقرير لموقع “Middle East Eye” البريطاني. وقبرص ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي، ولكنها عضو في الاتحاد الأوروبي وبها قاعدتان بريطانيتان رئيسيتان. وفي الشهر الماضي، دعا نصر الله السلطات اللبنانية إلى “فتح الحدود البحرية حتى يتمكن المهاجرون السوريون من شق طريقهم إلى قبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي الأقرب إلى الشرق الأوسط”. وتعززت العلاقات العسكرية في السنوات الماضية بين إسرائيل من جهة وبين قبرص الرومية وحليفتها وراعيتها اليونان من جهة أخرى. وأجرت إسرائيل وقبرص مناورات عسكرية مشتركة خلال السنوات الماضية، ووقعتا مجموعة من اتفاقيات شراء الأسلحة. وتشكل علاقات قبرص المزدهرة مع إسرائيل تغييراً غير عادي منذ استقلالها عن الحكم الاستعماري البريطاني في عام 1960 عندما رحب زعيم البلاد آنذاك، رئيس أساقفة الروم الأرثوذكس مكاريوس الثالث، بقيادات عربية مثل جمال عبد الناصر، واحتضنت الجزيرة علانية مقاتلي المقاومة الفلسطينية، حتى إن قبرص لم تفتح سفارة في إسرائيل إلا عام 1994، رغم إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين بعد استقلال قبرص عام 1960، حسب موقع السفارة الإسرائيلية في نيقوسيا. وجاء الرد القبرصي، من رئيس البلاد نيكوس خريستودوليدس سريعاً، وخالياً من القوة؛ حيث اعتبر الرئيس القبرصي أن “خطاب نصر الله ليس لطيفاً، ولا يتوافق بأي حال من الأحوال مع الواقع، ويقدم قبرص كمتورطة في الأنشطة الحربية. هذا يخالف الواقع تماماً”. وأكد أن “بلاده لعبت دوراً اعترف به العالم العربي والمجتمع الدولي بأسره” في فتح ممر بحري يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية من قبرص إلى غزة، وأنها جزء من الحل وليس المشكلة”. ورداً على سؤال حول ما إذا كانت لا تزال هناك قناة اتصال مع حزب الله أو الحكومة اللبنانية، قال الرئيس القبرصي: “بالطبع هناك قناة اتصال مع كل من الحكومة اللبنانية والحكومة في إيران”، وأضاف أن “ذلك يتم عبر القناة الدبلوماسية”. ومن المرجح أن يؤدي تهديد نصر الله لقبرص إلى إحداث صدمة ليس فقط في قبرص، وهي دولة جزيرة مقسمة عرقياً بين الأتراك واليونانيين، ولكن أيضاً في اليونان، الحليف الوثيق لنيقوسيا وإسرائيل. “إنه تنفيذ تهديد نصر الله لقبرص لا يمكن استبعاده، فحزب الله ليس بعيداً على الإطلاق من قبرص، إذا تمكنوا من استهداف ضواحي تل أبيب، فيمكنهم ضرب قبرص”، حسبما قال غابرييل هاريتوس، خبير العلاقات القبرصية الإسرائيلية المقيم في القدس في المؤسسة الهيلينية للسياسة الأوروبية والخارجية (إلياميب). وقال هاريتوس لموقع “Middle East Eye”: “إن تهديد نصر الله لقبرص هو تهديد عسكري غير مسبوق”. يشير تهديد نصر الله لقبرص إلى أن حزب الله كان يراقب بقلق إسرائيل وعلاقات الولايات المتحدة العميقة مع الدولة الجزيرة الواقعة في شرق البحر الأبيض المتوسط والتي تقع على بُعد 260 كيلومتراً فقط من ساحل لبنان. وقال كونستانتينوس فيليس، مدير معهد الشؤون العالمية في أثينا، لموقع Middle East Eye: “من الواضح أن حزب الله محبط من توقيع قبرص على اتفاقية تعاون استراتيجي مع الأميركيين”. وفي العقد الماضي، أصبحت إسرائيل قريبة بشكل متزايد من كل من قبرص واليونان. وتنقسم جزيرة الأولى بين حكومة يونانية معترف بها دولياً في الجنوب وحكومة قبرصية تركية في الشمال لا تعترف بها سوى أنقرة، وتعزز الانقسام بعد رفض القبارصة اليونانيين قبل نحو عقدين على مقترح أممي لإعادة التوحيد بينما وافق عليه القبارصة الأتراك. لقد طغى قرار الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات أبراهام، على علاقات إسرائيل المزدهرة مع اليونان وقبرص، لكن تقارب الدول الثلاث الجديد كان يؤثر بهدوء على شرق البحر الأبيض المتوسط، حسب الموقع البريطاني. وكانت قبرص عضواً مؤسساً في منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، الذي سعى إلى تعميق التعاون في مجال الطاقة مع إسرائيل والدول العربية، وسط التوترات البحرية مع تركيا. وفي العام الماضي، سعت قبرص إلى تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع إسرائيل من خلال الضغط من أجل إنشاء خط أنابيب غاز جديد بين البلدين، حسبما أفاد موقع ميدل إيست آي. ومن المفارقات أن قبرص، مثل اليونان، استفادت أيضاً من تدفق الاستثمارات العقارية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، إلى جانب الاهتمام المتجدد من المستثمرين اللبنانيين في ظل الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وكانت هناك علاقات قوية بين رجال الأعمال واللبنانيين والمصارف اللبنانية إبان فترة ازدهارها وبين قبرص. ويشكل تحالف قبرص المتزايد مع إسرائيل جزءاً من إعادة اصطفاف نيقوسيا الأوسع مع الغرب؛ حيث تضع نفسها كحصن مؤيد للولايات المتحدة في شرق البحر الأبيض المتوسط، بعدما كانت علاقتها فاترة مع واشنطن قبل عقود بسبب تقارب الأخيرة مع تركيا لأنها أكبر وموقع أكثرها أهمية من اليونان وقبرص خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي. وتشارك قبرص منذ عام 2021 مع اليونان والولايات المتحدة في مناورات بحرية سنوية تحت لقب “دينا النبيلة”. كما أجروا مناورات بحرية واسعة النطاق في عام 2023 شهدت إبحار الأساطيل البحرية الإسرائيلية إلى قبرص. وتتعاون قبرص مع إسرائيل في المجال الأمني منذ سنوات. ومع احتدام القتال في غزة وعلى طول الحدود مع لبنان، استغلت إسرائيل علاقاتها الاستراتيجية مع قبرص لأغراض عسكرية، حسب الموقع البريطاني. وبحسب ما ورد، استخدمت القوات الجوية الإسرائيلية المجال الجوي القبرصي لإجراء تدريب يحاكي سيناريو هجوم إيراني على إسرائيل. في المقابل، ليست هناك تقارير موثوقة عن استخدام المملكة المتحدة لقاعدتيها في قبرص، لصالح إسرائيل، حسبما ورد تقرير لموقع “الجزيرة بالإنجليزية” وتتدرب القوات الخاصة الإسرائيلية أيضاً في قبرص حيث التضاريس الصخرية تشبه لبنان. وقال مايكل هراري، سفير إسرائيل السابق لدى قبرص، لموقع ميدل “Middle East Eye” إن “تهديد نصر الله ضد الجزيرة يشير إلى قلقه من أن إسرائيل على وشك شن عملية ضد لبنان”. وأفاد موقع “ميدل إيست آي”، يوم الأربعاء، بأن المبعوث الأميركي عاموس هوشستين أخبر المسؤولين اللبنانيين أن الولايات المتحدة ستدعم الهجوم الإسرائيلي على لبنان بعد خمسة أسابيع إذا لم يكن هناك توقف للقتال اليومي بين حزب الله وإسرائيل”. وقال هراري: “إن إشارة نصر الله إلى قبرص تعني أنه يتعرض لضغوط ويعتقد أن إسرائيل قد تمضي قدماً في الهجوم”. وأضاف سفير إسرائيل السابق لدى نيقوسيا: “إنها خطوة ذكية، لأنه يعلم أن قبرص ستكون قلقة للغاية وأن اليونان ستمارس بعض الضغط على إسرائيل لكبح فكرة الهجوم على لبنان”. في عام 2018، وقعت قبرص بياناً للتعاون الأمني الثنائي، وفي عام 2022، رفعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حظر الأسلحة المفروض منذ عقود على الجزيرة. وعلى الرغم من ذلك، قال هاريتوس لموقع “Middle East Eye”، إن “قبرص ستشعر بأنها معرضة لأي تهديد من حزب الله”. وأردف، “ليس لدى نيقوسيا جيش قادر على القيام بعمليات ضد حزب الله” (إذ تم تنفيذ تهديد نصر الله لقبرص). وقال فيليس إن “نصر الله يرى أن قبرص هي الحلقة الأضعف في توازن القوى في شرق البحر الأبيض المتوسط لأنها لا تملك جيشاً حقيقياً وتتعرض لضغوط من تركيا”. “إنه يقول إذا ساعدت إسرائيل ستكون هناك عواقب”. |