يقول الإعلان: “تُطلق بلدية الكفور- تول مشروع النظافة (تشذيب الأشجار، قش الأعشاب وغير ذلك عن جوانب الطرقات) الذي يفسح المجال أمام الأخوة النازحين للمشاركة والعمل ببدل 15 دولاراً أميركياً عن كل يوم عمل فعلي طيلة 28 يوماً”. ولم يُحدد البيان هوية “النازحين” الذين يتحدث عنهم. فاعتبر البعض أن المقصود بالنازحين هم اللبنانيون الذين تركوا منازلهم في الجنوب بسبب الحرب، وشنّ حملة قاسية على البلدية ومن فيها.
اعتبر المعترضون على بيان البلدية أن القيمين عليها يتعاملون مع المهجرين من اللبنانيين بطريقة مذلة، وأنهم ينوون تشغيل “النساء المهجرات” واستغلال أحوالهم الصعبة، وأنهم يرون سكان القرى الحدودية مزارعين فقط، وأنه كان الأجدى لو لم يحدد البيان الفئة المستهدفة، وترك المجال مفتوحاً امام كل من يرغب بالعمل أن يشارك ويسجل اسمه.
البلدية قصدت “السوريين”!
لم تكن البلدية في الكفور- تول تقصد اللبنانيين بإعلانها، بل النازحين السوريين، يقول نائب رئيس البلدية طوني سمعان في حديث لـ”المدن”، مشيراً إلى أن البلدية وضعت الإعلان، وكان واضحاً للغاية. وربما بسبب خطأ مطبعي لم يُذكر كلمة “السوريين”، كاشفاً أن من اعترض على البيان هم قلة قليلة لا يتعدى عددهم عدد أصابع اليد الواحدة.
ويضيف سمعان: “لم نقصد النازحين اللبنانيين الذين لا نعتبرهم نازحين أصلاً بل أهل، وفي نطاق بلدية الكفور- تول يسكن 650 عائلة من عوائل القرى الجنوبية التي تهجر أهلها، 450 عائلة منهم يسكنون في منازل وشقق من دون أي مقابل، بمساع قامت بها البلدية والأهالي وحركة أمل وحزب الله، وبالتالي فإنه من الخطأ اتهامنا بهذه الطريقة”.
ويكشف سمعان أن البلدية تلقت تقريباً 70 اتصالاً هاتفياً من أجل العمل، وقامت البلدية بتسجيل 30 اسماً لمباشرة العمل خلال هذا الأسبوع، وسيكون كل العمال من اللبنانيين، ومنهم من أهل القرى الحدودية الذين تركوا منازلهم. مشيراً إلى أن البلدية عندما تلقت اتصالات من لبنانيين يرغبون بالعمل، قامت بتعيينهم ولم تسجل إسم أي نازح سوري، علماً ان العادة جرت بأن لا يتقدم لبنانيون للقيام بمثل هذه الاعمال. ولكن يبدو أن الحال قد تغير بفعل التطورات، حيث تلقت البلدية طلبات للعمل من أهالي قرى خارج نطاق الكفور- تول، مثل عربصاليم وعدشيت وصريفا وغيرها، ولكنها لم تتمكن من تشغيلهم بسبب كلفة النقل المرتفعة.
وماذا لو كان المقصود الجنوبيين؟
كان هذا البيان وما رافقه من ضجة وصخب مناسبة للحديث عن “طريقة” تفكير بعض اللبنانيين الذين يرفضون العمل بكثير من الأعمال، حتى ولو كانوا بحاجة الى العمل. فماذا لو كان المقصود ببيان البلدية النازحين الجنوبيين، ومنذ متى أصبح العمل الشريف “عيباً”، إن كان بالزراعة أو تنظيف الأعشاب أو أي نوع عمل شرعي وشريف آخر. وأين المشكلة بفتح المجال أمام من تركوا حياتهم ونزحوا لكي يعملوا ويُنتجوا ويُعيلوا عوائلهم. فهل تكفي مساعدات الأحزاب التي تُدفع شهرياً للنازحين، أم أن التعويل على تقديمات الدولة التي تكاد تكون معدومة؟
كذلك، ينبغي الإشارة الى أن النازحين الجنوبيين يمارسون أعمالاً في مناطق نزوحهم، كلّ حسب قدرته وطبيعة مهنته، وأصحاب المصالح نقلوا مصالحهم إلى مناطق نزوحهم، وبالتالي أين الإهانة بحال كان المجال مفتوحاً أمام المهجرين لكي يعملوا في قص الأعشاب، علماً أن هذا الرأي ورد على لسان جنوبيين لم يجدوا مشكلة في بيان البلدية.
مشاريع ممولة لدعم النازحين السوريين أم المهجرين الجنوبيين؟
يرى نائب رئيس البلدية الهجوم على البلدية محاولة رخيصة لتشويه سمعتها، وهي من الأفضل ضمن اتحاد بلديات الشقيف، إن لم تكن الأفضل. مشيراً إلى أن البلدية لم ترد على الهجوم لكي لا تفتح سجالاً، وكون المعترضين هم قلة من ميسوري الحال. ولو كان الاعتراض كبيراً لكانت البلدية وضّحت وربما اعتذرت، ولكن قلة فقط من فهم بيانها بشكل خاطىء.
حاول بعض المعترضين اللعب أيضاً على الوتر الطائفي، لوجود مسيحيين في بلدية الكفور-تول.
على أي حال، يؤخذ على البلدية أيضاً أنها حددت النازحين السوريين للعمل، ولو أن نائب رئيس البلدية أكد خلال حديثه مع “المدن” أن الأولوية كانت وستكون دائماً للبنانيين، ولكن في هذا السياق تتضارب المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، بين من يقول أن المشاريع من هذا النوع تستهدف النازحين السوريين، وتُموَّل من منظمات خارجية، وستنتشر في أكثر من بلدة جنوبية.. ومن يقول أنها مشاريع لمساعدة مهجري الجنوب، خصوصاً بظل ورود معلومات عن مشاريع مماثلة ضمن اتحاد بلديات صور. وبالتالي، فإن بلدية الكفور كانت تقصد نازحي الجنوب بالأصل ولكنها غيّرت رأيها بعد الهجوم عليها واعتبرت أن المقصود كان النازح السوري. وكأنهم سلموا جدلاً بأن هذا العمل يشكل إهانة لمهجري الجنوب ولا يشكل إهانة للنازحين السوريين، وهذا أيضاً لا يصحّ ولا يجوز. لذلك كان من الأفضل في هذه الحالة عدم تحديد الفئات المستهدفة وترك المجال مفتوحاً امام من يرغب بالعمل، لبنانياً كان أو سورياً، أو التمسك بتخصيص فئة، والدفاع عن وجهة النظر الصحيحة التي تقول أن “الشغل مش عيب”.