إجراءُ العدو الإسرائيلي مناورة عند الحدود الشماليّة مع لبنان في لحظة “حرِجة” وسط التوتر مع “حزب الله”، يفتحُ الباب أمام تساؤلات عن مغزاها وجدواها.. فماذا يُمكن القول عنها؟ كيف يمكن ربطها بما يجري ميدانياً من تطورات عسكرية؟
المُناورة التي أجرتها قيادة المنطقة الشماليّة في الجيش الإسرائيلي قبل يومين، يمكن ربطها بـ3 رسائل أساسيّة هي على النحو التالي:
الرسالة الأولى: الردُّ على “حزب الله” ميدانياً، والإشارة إلى أن الجيش الإسرائيليّ يمكنه التحرُّك ميدانياً عند الجبهة الشمالية، وبالتالي القول إنهُ لا “لا قيود لحركته”. الأمرُ هذا كان مطلوباً بشدة بالنسبة للعدو الإسرائيلي الذي يحاول قدر الإمكان الحفاظ على قوته عند الحدود وسط “الإنهاك” الذي يواجهه الجنود هناك إثر ضربات “حزب الله”.
الشواهد التي يمكن إدراجها لتثبيت ما يواجهه الإسرائيليون من مصاعب عند الحدود مع لبنان، يمكن تلخيصها بأمرين تطرقت إليهما التقارير الإسرائيلية: الأول وهو أنّ الجنود الإسرائيليين يخشون تماماً الطائرات المسيرة التي يطلقها الحزب، فيما الأمر الثاني يرتبطُ بإعتراف الإسرائيليين عن “ضعف الحماية” للمواقع العسكرية، سواء من ناحية الصواريخ “البركانية” التي يطلقها الحزب أو لناحية عدم تغطيتها فعلياً بوجه الصواريخ المُضادة للدّروع.
الرسالة الثانية: تحاول تل أبيب من خلال تلك المناورة توجيه إشارات مباشرة باتجاه الجمهور الإسرائيليّ وتحديداً سكان المستعمرات المُحاذية للبنان. فعلياً، إسرائيل ومن خلال خطوتها الأمنية تحاول إستعادة “هيبة” كُسرت عند الحدود بالنسبة لسكان المستوطنات، كما أنها تسعى لإسترداد ثقة تزعزعت لدى هؤلاء إبّان المواجهات مع “حزب الله”.
المسألة هذه تفرض نفسها من الناحية الأمنية، وفيها أيضاً ردّ على أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله من خلال القول إن إسرائيل تُجري المناورات بينما الأخير وصف ألوية الجيش بـ”المنهكة” و”التعبانة” في آخر خطابٍ له يوم الأحد الماضي.
ضُمنياً، فإنَّ ما فعله الجيش الإسرائيلي كان الهدف منه “نفسيّ” بالدرجة الأولى، أولاً من أجل إقناع نفسه بأنه قادرٌ على القيام بخطوات جديدة في منطقة ساخنة، وثانياً توجيه الرسائل الميدانية التي قد توحي للمستوطنين بأنّ هناك قدرات دفاعية إسرائيلية يمكن إستثمارها ما قد يمهّد لهم العودة إلى منازلهم عند الحدود مع لبنان.
الرسالة الثالثة: وسط حديثها عن الحرب وتهديدها بشنّها ضدّ لبنان، أتت تلك المناورة لتزيد الإعتقاد لدى الإسرائيليين أن تل أبيب تستعدّ للمعركة المطلوبة منها لإبعاد “حزب الله” عن الشريط الحدودي. الإشارة هنا “حربية” بامتياز وتحديداً عندما يتعلق الأمر بإمكانية اتخاذ إسرائيل خطوة فتح الجبهة على إحتمال الحرب. النقطة الأهم هنا هي أنّ إسرائيل ومن خلال المناورة الضخمة، سعت أيضاً لمخاطبة الولايات المتحدة والقول لها إنّها قادرة على التحرك متى ما تشاء في لبنان وضمن خطتها العسكرية، وذلك في حال فشلت المساعي الأميركية لفرض حل سياسي يُعالج مسألة التوتر عند الحدود.
المُفارقة هي أنَّ تلك المناورة جاءت وسط أمور أخرى سعت إسرائيل إلى الترويج لها أو تبنيها، مثل تفعيل سياسة الإغتيالات، إعادة تكريس الجانب الإستخباراتي عند الحدود رغم قيام “حزب الله” بإستهداف أجهزة التجسس، الترويج لوجود قدرات مراقبة عالية المستوى في الداخل الإسرائيلي يمكنها إختراق الجانب اللبناني عن بعد وصولاً إلى الداخل السوري.
أما الأمر الأكثر بروزاً هنا فيتصلُ بأن تلك المناورة طرحت نفسها أيضاً وسط انكشاف تقارير جديدة عن “القوة العسكرية الخاصة” التي تلاحق “حزب الله” عند الحدود، والتي قيلَ أنها وحدة ماجلان الإسرائيلية. الحديثُ في هذا الإطار كشف عن وجودِ توسّع لمهام تلك الوحدة باتجاه العمق اللبناني، حيث قيلَ إن مدى عملياتها وصل إلى 12 وحتى 18 كيلومتراً داخل الحدود اللبنانية.
إذاً، في خلاصة القول، ما يظهر هو أنّ إسرائيل تحاول شنّ هجوم مضاد نفسياً ضد “حزب الله” من أجل ترميم صورتها داخلياً وعسكرياً.. ولكن.. هل الأداء الذي حملته تلك المناورة سيكون فعالاً في الحرب التي قد تُخاض ضد “حزب الله”؟ أمين عام الحزب السيد نصرالله قال: “يا هلا ومرحب” لأيّ حرب ضد تل أبيب، فيما سبقه النائب محمد رعد بالقول للإسرائيليين إنّ “الحزب حضر لهم ما لم يتوهموه”.. فكيف سيكون الوضع بعد كل هذا التصعيد الميداني والكلامي؟ وهل كل ذلك يدل على “إقتراب المواجهة”؟ الأيام المقبلة كفيلة بكشف ذلك!!