ما سيكشفه الميدان هو الذي سيؤثر على مسار المعارك… فهل سنشهدُ حقاً هدنة طويلة؟
التطورات الأخيرة في جنوب لبنان تدلّ على أنّ مسار الحرب بين “حزب الله” والعدو الإسرائيليّ قد اتخذ بُعداً ميدانياً جديداً، لاسيما أنَّ التمادي الإسرائيلي في توسيع رقعة الإشتباك باتجاه مناطق جنوبية متقدمة بعيدة عن الحدود نسبياً، يُعتبر إنعطافة خطيرة على صعيد الإقتتال القائم.
آخر فصول هذا الأمر كان بُعيد منتصف ليل الأربعاء – الخميس، حينما قصفت طائرات العدو الإسرائيلي محيط منطقة كفرملكي – قضاء صيدا، والتي تعتبر بعيدة جغرافياً عن الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة بعمق متقدّم جداً.
إزاء كل ما يحصل، تُطرح أسئلة مهمة عن الواقع الميداني: ما هو مسارها الجديد؟ كيف يتعامل “حزب الله” مع التمادي الإسرائيلي وما هي آخر تكتيكاته؟
مدنيّ مقابل “وحدات مدنية”
قبل أيامٍ قليلة وتحديداً يوم الإثنين، وعقب إستهداف العدو الإسرائيلي نقطة قريبة جداً لمراسم تشييع أحد الشهداء في بلدة عيتا الشعب، أعلن “حزب الله” قصف مستعمرة كريات شمونة في حادثة أدت إلى إصابة مبنى سكني هناك.
خلال بيانه المرتبط بتبني العملية، أطلق الحزب رسالة تحذيرية باتجاه إسرائيل مفادها إنّ أي إستهداف للمدنيين سيُقابل بالمثل، وهذا ما كان ميدانياً. كما اطلب الحزب اليوم صواريخ حارقة على أحراج برانيت ردًّا على قيام اسرائيل بإحراق حرج الراهب.
ويوم أمس، كان القصف الإسرائيليّ الذي استهدف منزلاً في بلدة مركبا خيرُ دليل على أن إسرائيل تذهب بعيداً باتجاه قصف المجمعات المدنية في الجنوب. ما حصل أسس لمخاوف كبيرة من أن تكون الحرب قد بدأت حقاً بتخطي الخطوط الحمراء، وبالتالي دخول الأمور في منحى مجهول تماماً.
وإنطلاقاً مما يجري، فإنّ المعادلة التي فرضها الحزب في بيانه عن إستهداف المدنيين ليست بجديدة، لكن ترجمتها بإعلان واضح مثلما حصل يوم الإثنين الماضي يؤشر إلى أن الحزب بدأ يتخذ مساراً تصعيدياً واضحاً لتكثيف بنك أهدافه داخل المستعمرات الإسرائيليّة خصوصاً الأحياء المدنية فيها وليست الثكنات العسكرية فحسب.
المسألة هذه ليست سهلة، وما يمكن قوله هو إنه في حال اتخذت المواجهة هذا المسار من التصعيد الذي يشمل المدنيين كما تفعل إسرائيل ومثلما أعلن حزب الله، عندها فإنّ الأمور قد تتدحرجُ إلى نطاق أوسعٍ من الإقتتال، وقد تتخطى المواجهة أطراف الحدود بل ستُصبح ضمن أعماق أبعد جغرافياً.
إستهداف القبة الحديدية.. رسالة نارية
الخطوة التي أقدم عليها “حزب الله” والمتمثلة بقصف منصتين للقبة الحديدية في شمال مستعمرة كابري بسلاح المدفعية،يعني أنّ الحزب قرّر ضرب الدفاعات الإسرائيلية في مهدها. الرسالة هذه نارية جداً، وتمثل رداً على إسرائيل التي تقول إنها تستطيع قصف بنية “حزب الله” الصاروخية. كذلك، يمكن اعتبار تلك الخطوة بمثابة تهديدٍ كبير لتل أبيب مفاده إن القدرات الدفاعية التي تتغنى بها باتت بحكم الساقطة عسكرياً، وبالتالي فإنّ السبل الحمائية التي يجري اتخاذها ضمن المستوطنات لتفادي صواريخ الحزب ستكون عُرضة للإستهداف.
ما حصل يمكن أن يدفع المستوطنين القاطنين عند الحدود مع لبنان إلى مراجعة حساباتهم مرة أخرى بشأن إمكانية العودة لمنازلهم، إذ سيجدون أن “الحماية” التي كانوا يتظللون بها باتت مهددة نوعاً ما.
إنقسام المعركة بين غزة وجنوب لبنان
يوضح مسار المعارك أنَّ الجبهة القائمة في جنوب لبنان باتت مكملة لغزة وليست مُساندة لها فحسب. الدليل على ذلك هو أنه ومنذ توسيع إسرائيل هجماتها البرية ضمن القطاع، تراجعت قدرة حركة “حماس” على إطلاق صواريخ باتجاه المستعمرات الإسرائيلية، وبات بإمكان رصد ذلك بشكلٍ واضح خلال الآونة الأخيرة.
إزاء ذلك، يتبين أن “حزب الله” إستكملَ مساره الهجومي بمواصلة القصف الصاروخي عوضاً عن غزة، فباتت “حماس” الآن مشغولة بإسداء ضربات ميدانية عبر الحرب البرية، في حين أن “حزب الله” يستمرّ بمهمة “إشغال” الجيش الإسرائيليّ، إمّا عبر قصف مواقع عسكرية أو إضافة مناطق جديدة في الداخل الفلسطيني المحتل لتكون مشمولة بإستهدافاته.
هنا، تقول مصادر معنية بالشؤون العسكريّة لـ”لبنان24″ إنَّ جبهة جنوب لبنان باتت مكمّلة لغزة، موضحة أنّ كل طرف بات يؤدي مهمة معينة، فيما الهدف الأساسي هو إسداء ضربات مختلفة للجيش الإسرائيلي ضمن نطاق جبهتين متباعدتين جغرافياً.
بحسب المصادر، فإنَّ ما يحصل الآن في جنوب لبنان بات يخدم “حماس” كثيراً، لاسيما أن الأخيرة ليس مطلوباً منها الآن قصف المستعمرات بقدر ما أن المنتظر منها هو تكبيد إسرائيل خسائر عسكرية ميدانية ضمن الحرب البريّة، وأضافت: “حزب الله يقوم بالمهمة الصاروخية وضمن القواعد المرسومة وهذا الأمر يمثل تكاملاً واضحاً من الناحية العسكرية”.
ضغطٌ متزايد
إنطلاقاً من النقاط المذكورة، يمكن الوصول إلى أن ما يجري بين جبهتي غزة وجنوب لبنان يعتبر ضغطاً متزايداً على إسرائيل. في الواقع، باتت كل ساحة تؤدي دوراً معيناً ينعكس بشكل كبير على الجيش الإسرائيلي. وفي حال بقيت الأمور هكذا، عندها فإنّ تل أبيب قد تندفع أكثر نحو شروط إعلان هدنة جديدة بدأ الحديث عنها مؤخراً وقد تكون طويلة الأمد.
وفق المصادر المعنية بالشؤون العسكرية، فإنّ تكبد إسرائيل خسائر ميدانية في غزة من جهة، وجعل بنيتها الدفاعية تحت نيران صواريخ “حزب الله” من جهة أخرى، كلها عوامل ستدفع إلى إعادة النظر في مواصلة الحرب كي لا تحصل مفاجآت جديدة.
في مقابل كل ذلك، فإن هناك أموراً أساسية لا يمكن إغفالها أيضاً وتتصلُ بجهود إسرائيل لصقل قواتها الجوية، في حين أنّ الأخيرة تعتبر نفسها قادرة على شن حرب ضدّ لبنان إنطلاقاً من أن مستوطناتها القريبة منه فارغة من سكانها، وبالتالي ستكون فاتورة الخسائر البشرية قليلة جداً بالنسبة إليها. الأمر الأكثر بروزاً عسكرياً هو أن إسرائيل وبسبب تراجع إطلاق “حماس” الصواريخ عليها، ستعمد إلى تعزيز قوتها الدفاعية داخل فلسطين المحتلة، وهذا أمر كانت تحتاج إسرائيل في المراحل الأولى من حربها ضدّ غزة.
وفي خلاصة القول، فإن ما سيكشفه الميدان من تبدلات وتحولات هو الذي سيؤثر على مسار المعارك.. فهل سنشهدُ حقاً هدنة طويلة الأمد تؤدي إلى وقف لإطلاق نار طويل ومستدام؟ هل ستكون عوامل الضغط هي الأكثر تأثيراً في اتخاذ قرار الهدنة؟ حتماً، الإنتظار سيد الموقف…