أخبار دولية

وكأنه أول أيام الحرب.. إسرائيل تبدأ “المعارك المؤجلة” في غزة

رغم كل ما لحق بقطاع غزة من قتل ودمار، فسكانه يشعرون كأن الحرب بدأت لتوها، فما إن انتهت هدنة تلك الحرب المؤقتة في القطاع، حتى عادت إلى مسامع أهله أصوات آلة الحرب من جديد، وأعيد تفعيل عدّاد الضحايا الذي لا يتوقف.

لم تكن تلك الهدنة القصيرة، التي دامت سبعة أيام فقط، فرصة لالتقاط الأنفاس ونيل قسط من الراحة، بل كانت نافذة لتفقد الأنقاض والبحث عن جثامين الضحايا لمواراتها الثرى؛ ومع نهايتها، تختلج مشاعر ما قبلها أهل القطاع من جديد.

هي ذاتها مشاعر سكان غزة في أول أيام الحرب؛ بل إنهم يرجحون أن الأسوأ لم يأتِ بعد. فالمعارك الحالية أكثر ضراوة، وتدور في أكثر مناطق القطاع ازدحاما بالسكان، ومن بينها حي الشجاعية وجباليا في الشمال وخان يونس في الجنوب.

كانت القوات الإسرائيلية قد أجّلت معركتها في حي الشجاعية وجباليا إلى مرحلة متأخرة؛ وبدأتها بشكل تدريجي خلال الأيام الماضية.

في هاتين المنطقتين، بدأت البنايات السكنية تتهاوى بفعل القصف الإسرائيلي المتواصل. وعلى الأرض، تحاول الآليات الإسرائيلية التقدم، بينما ما زال الكثير من السكان باقين في منازلهم، لم يخلوها إلى جنوب القطاع، الذي يشهد معارك ليست أقل ضراوة.

ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن الترسانة الأقوى لحركة حماس، والعدد الأكبر من عناصرها، في منطقة الشجاعية وجباليا، والتي تُوصف بأنها معاقل الحركة. ومن ثم، فإن إسرائيل ترى أن المعركة لن تكون سهلة، وستمر بالكثير من التعقيدات.

وبينما أعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي مقتل ضابطين وثلاثة جنود في المنطقتين خلال اشتباكات دارت مع الفصائل الفلسطينية المسلحة، أبلغ شهود عيان وكالة أنباء العالم العربي (AWP) بأن القوات الإسرائيلية تستهدف مربعات سكنية بأكملها في المنطقتين وتسوّيها بالأرض لفتح الطريق أمام آلياتها.

ويعيش في جباليا المدينة وحدها نحو 200 ألف فلسطيني، وفق أحدث إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما يبلغ عدد سكان مخيم جباليا نحو 56 ألف نسمة.

أما شرق غزة، الذي يعتبر حي الشجاعية أكبر أحيائه، فيسكنه نحو 350 ألف نسمة بشقيه، الشجاعية الجنوبية (التركمان) والشجاعية الشمالية (الجديدة أو حي الأكراد)، بالإضافة إلى أحياء الدرج والتفاح والزيتون.

أهالي الشجاعية، العارفون بما دونته كتب التاريخ عن حيّهم، يصفونه بأنه حارس بوابة قطاع غزة.

في شمال الحي، هناك مقبرة الحرب العالمية الأولى، التي دفن فيها آلاف الجنود. يذكّر القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل أهالي قطاع غزة بتلك المقبرة؛ فهم يخشون تحول الحي بأكمله إلى مقبرة لأهله ممن فضلوا البقاء في منازلهم على النزوح.

ويعتقد أهالي الشجاعية أن مسألة تدمير حيّهم هي مسألة ثأر قديم، بعد أن نجحت الفصائل الفلسطينية عام 2014 في أسر الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون خلال تصديها لتوغل بري للجيش الإسرائيلي في الحي.

في ذلك الوقت، دكّت المدفعية الإسرائيلية الحي بشكل مكثف، وقُتل نحو 75 فلسطينيا، وهو ما لمّح إليه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لدى تفقده القوات المتوغلة نحو الشجاعية، عندما قال إن لواء “جولاني في مهمة تصفية حسابات.. لن يخرجوا من الشجاعية إلا بعد تدمير قدرات حماس”.

ووفقا لما جرى رصده من تحركات للآليات، فإن الاقتحام هذه المرة لم يكن من الطريق المعتاد الذي دأبت الآليات الإسرائيلية الدخول عبره من أقصى شرق الشجاعية، المنطقة الأقرب للمنطقة الحدودية المعروفة باسم غلاف غزة، بل من المنطقة الجنوبية الغربية للحي.

وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن هذا التكتيك هدفه تجنب إعداد حماس المتوقع في المناطق الحدودية، من ناحية الأنفاق المفخخة والأسلحة والوحدات المتمركزة هناك.

وتظهر خارطة الاقتحام أن القوات الإسرائيلية بدأت دخول الحي من منطقة مفترق الشجاعية، وتوغّلت في الأحياء القريبة من المفترق، وباتت داخل بعض الأحياء التي تكون مكتظة بالسكان في الوضع الطبيعي، حيث تمركزت هناك واعتلى بعض القناصة العمارات المجاورة للمفترق.

ووفقا للتقديرات الإسرائيلية، فإن الانتهاء من حي الشجاعية وجباليا يحتاج حتى نهاية الشهر الجاري.

حتى الآن، لم تُفلح إسرائيل في إظهار صورة النصر التي تبحث عنها؛ وبالتالي فإن وقف القتال في هذه الفترة مستبعد من ناحية القناعة الإسرائيلية الداخلية بأنها لم تحقق أهداف الحرب التي وضعتها.

وقد تكون صورة النصر تلك التي تتطلع إسرائيل إليها تتمثل في اغتيال قيادي كبير في حماس، مثل يحيى السنوار، وليس أقل منه على سلم الترتيب القيادي في الحركة، أو حتى اعتقاله؛ أو ربما تكون بتحقيق السيطرة التامة للآليات الإسرائيلية على قطاع غزة بالكامل.

وتدرك إسرائيل في دوائرها المصغرة أن ما عرضته من صور سابقة، ليس بالصورة التي تبحث عنها، بل هو أقصى ما استطاعت الوصول إليه في فترة ما قبل التهدئة. وعليه، فإن المعارك القادمة ستكون أشد ضراوة للبحث عن الصورة المنشودة. وتقول هيئة البث الإسرائيلية إن المعارك ستكون على أكثر من جبهة في وقت واحد.

ويبدو من الواقع الميداني أن إسرائيل بدأت بالدخول إلى المناطق الأصعب في وقت واحد. وقد وضعت إسرائيل هدفا جديدا تسعى لتحقيقه في هذه المرحلة من الحرب، وهو تدمير الأنفاق التي تستخدمها حركة حماس.

وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية أن إسرائيل بنت نظاما من المضخات الضخمة التي يمكن استخدامها لإغراق شبكة أنفاق حماس تحت الأرض في قطاع غزة بمياه البحر.

وبحسب التقرير، فقد تم تجميع مجموعة المضخات، التي تضم ما لا يقل عن خمس مضخات مياه ضخمة، شمال مخيم الشاطئ للاجئين في شمال قطاع غزة، ومن الواقع الميداني أن إسرائيل بدأت بالدخول إلى المناطق الأصعب في وقت واحد.

ومن المفترض أن تستخدم هذه المضخات لسحب المياه من البحر المتوسط وإغراق الأنفاق بآلاف الأمتار المكعبة من المياه كل ساعة، وهو ما سيؤدي إلى غمرها خلال أسابيع. وبحسب التقرير، فإنه لم يتقرر بعد في إسرائيل ما إذا كانت هذه العملية ستنفّذ أم لا.

ويضيف كل ما يجري المزيد من التعقيدات على مجريات الحرب؛ وبالتالي، فقد تنجح إسرائيل في تشكيل ضغط على حماس لإطلاق سراح محتجزين آخرين بشروط لا تكون معقدة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية.

أيضا، لم تُسقط إسرائيل هدفها المعلن بإقامة منطقة عازلة في قطاع غزة؛ وبالتالي، فإن المزيد من العمليات العسكرية قد يؤدي إلى إقامة مثل هذه المنطقة بعد تهجير سكانها منها، خاصة أن صيغة التعامل الدولي مع المصطلحات بدأت تتغير.

فالولايات المتحدة، على الرغم من أنها ترفض تهجير الفلسطينيين قسرا، لن تعارض هجرة طوعية، وهذا ما تكرر أيضا على لسان أكثر من مسؤول دولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى