لا يكفي التصعيد في تبادلٍ القصف الصاروخي، للقول إن جبهة الجنوب مع إسرائيل قد فُتحت، وانزلق لبنان إلى نار الحرب المشتعلة في غزة، حيث أن المعادلة الميدانية لم تتغيّر، وإن كانت القراءة الهادئة للمواقف المعلنة من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، قد حملت أكثر من دليل ومؤشِّر على هذا التصعيد، والذي لم يصل بالأمس إلى مستوى الحرب الشاملة على الجبهة الجنوبية مع إسرائيل.
فالأمين العام للحزب، عرض واقع الجبهات “الممانِعة” ومن بينها جبهة الجنوب، واستفاض في تحديد وظيفتها وهي المساندة لجبهة غزة مع إسرائيل، ولكن من دون أن يعني ذلك غياب الضوابط رغم تغيير قواعد الإشتباك والأهداف إعتباراً من الأمس، حيث أن الردّ على الغارة الإسرائيلية على الزهراني، لم يتأخر لأكثر من 24 ساعة بعد وقوعها.
فالضربات التي وجّهتها “كتائب القسام ـ فرع لبنان”، أصابت أهدافاً إسرائيلية مباشرة، فيما أبقى الحزب على عملياته اليومية التي لم تخرج عن السياق الذي طبع كل العمليات السابقة، وإن كانت قد لحظت تدرّجاً في التصعيد بعد كل استهداف إسرائيلي يكسر فيه القصف الصاروخي قواعد الإشتباك، بمعنى أن العمليات العسكرية، ستبقى محصورة ضمن منطقة ما وراء نهر الليطاني لا أكثر ولا أقلّ.
وتقود هذه المعطيات، إلى طرح علامات استفهام حول ما إذا كانت الضغوطات التي تُمارَس من أجل عدم إدخال لبنان في الحرب قد نجحت، ويجيب مصدر سياسي مطلع في هذا السياق، بأن العدو الإسرائيلي، قد أطلق المرحلة الثالثة من معركته البرية في مدينة غزة، ومن الواضح من خلال التحليل للإستراتيجية العسكرية التي تتحكّم بسير العمليات التي تصل إلى مستوى الإجتياح في الساعات الماضية للمناطق والمستشفيات والمدارس، أن بنيامين نتنياهو، مصمّمٌ على الوصول إلى أهداف محدّدة من خلال الجرائم التي رفعت عدد الشهداء إلى أكثر من 11 ألفاً.
وعليه، فإن أي انشغالٍ على أي جبهة أخرى، وتحديداً جبهة جنوب لبنان، أضاف المصدر، سوف يدفع إلى تأخير الوصول إلى هذه الأهداف، بينما بدأ صدى المجازر بحق الأطفال يحرِّك الرأي العام الغربي، ويثير قلق الحكومات المؤيدة لإسرائيل في حربها “الإنتقامية”، وهو ما يضغط على نتيناهو ويقلِّص من المساحة الزمنية أمامه، وبالتالي، يرى المصدر، أن التركيز على غزة سيحول دون أي انشغال أو تضييع للوقت الذي ينفد سريعاً، خصوصاً وأن هذا الأمر يترافق مع تباين أو خلاف مع واشنطن التي ترفض “رؤية اشتباكات بالأسلحة داخل المستشفيات”.
ومن البديهي أن مصالح واشنطن في المنطقة، وبعد مقرّرات قمة الرياض، قد باتت في دائرة الخطر، ولذلك فهي ستحدِّد قواعد جديدة للمعركة في غزة، وسترسم معادلة للجبهة مع لبنان، بمعنى أن التأييد المطلق في غزة لا ينسحب على لبنان، رغم نبرة التهديد المستعملة، حيث أن المصدر المطلع عينه، يبدي خشيةً واضحة من أن يُترجم هذا التباين تصعيداً وإجراماً في غزة، بموازاة “ضبط النفس” في توجيه الردود على الضربات التي تلقاها نتنياهو في الشمال.
لكن خطراً كبيراً ومؤكداً لا يزال حاضراً رغم كل ما تقدم، يحدّده المصدر، باستمرار وتيرة التصعيد غير المسبوق، وبأن تنزلق إسرائيل إلى فتح جبهة مع لبنان، وذلك في الوقت الفاصل عن وقف النار الذي ستفرضه صفقة تبادل الأسرى الجزئية بين إسرائيل وحركة “حماس”.